حمدًا لك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وصلاةً وسلامًا دائمين متتابعين على الرحمة المهداة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نواصل الحديث في باب كان وأخواتها، وقد وصلنا إلى الأفعال التي تحتاج لعمل هذا العمل أن يتقدم عليها نفيٌ أو شبهه، وانتهينا من الحديث عن "زال"، ومثلنا لها ـ بل استشهدنا ـ بقول الشاعر:
ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى...... ولا زال منهلا بجرعائك القطر
وقلنا إن "زال" هنا تقدمت عليها "لا" الدعائية، وخبرها هو "منهلا" ومتقدم هنا، و"القطر" اسمها مؤخر.
أما انفك فيستشهدون لها، وقد جاءت بلفظ الفعل المضارع في هذا البيت، يستشهدون لها بقول الشاعر:
ليس ينفك ذا غنًى واعتزازي...... كل ذي عفّةٍ مُقلٍ قنوع
فـ"ليس" هنا هي النفي الذي تقدم على كلمة "ينفك" وأجاز أن نعملها عمل كان وأخواتها، أما "ينفك" فجاءت بلفظ الفعل المضارع، وقد تقدم هنا خبرها على اسمها هو قوله "ذا غنًى"، و"ذا" اسم من الأسماء الخمسة وهو مضاف إلى كلمة "غنًى" ومنصوب وعلامة نصبه الألف، أما اسمها فهو قوله "كلّ ذي عفةٍ"، وقد جاء مؤخرًا كما ترون.
أما فتئ يا أيها الأحباب فيستشهدون له بقول الله عزّ وجلّ ? قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ? [يوسف: ٨٥] ، والشاهد في قوله تفتأ هنا صحيح أنه لم يتقدم عليها في ظاهر اللفظ نفي، ولكن النفي مقدر، لأن التقدير والله أعلم " لَا تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ "، فـ ? تَفْتَأُ ? هنا جاء بلفظ الفعل المضارع، واسم ? تَفْتَأُ ? هنا ضمير مستتر تقديره "أنت"، و? تَذْكُرُ يُوسُفَ ? هذه الجملة في محل نصبٍ خبر.
أما "برح" فمن شواهدها قول الله عزّ وجلّ ? لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ? [طه:٩١] ، ? نَبْرَحَ ? تقدمت عليها ? لَنْ ? فمعناها أنها استوفت شرطها وهو النفي، و? نَبْرَحَ ? هنا فعل مضارع، وهو منصوبٌ ب? لَنْ ?، و? عَاكِفِينَ ? خبر ? نَبْرَحَ ?، وأما اسمها فهو ضميرٌ مستترٌ تقديره "نحن"، " لَنْ نَبْرَحَ نَحْنُ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ".