أما "دام" فقد ذكرنا لكم أنه يُشترط لعملها أن تتقدم عليها "ما" المصدرية الظرفية، أما كونها مصدرية فلأنها تؤول مع ما بعدها بمصدر، وأما كونها ظرفية فلأنها تدل على المدة، وانظروا إلى نحو قول الله عزّ وجلّ ? وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ? [مريم: ٣١] ، فإن التأويل فيها أو التقدير
ـ والله أعلم ـ "مدة دوامي حيًّا"، فـ"مدة" هذه أخذنا منها الظرفية، و"دوامي" هذه أخذنا منها
المصدرية، أما "دام" هنا فاسمها هو التاء، و ? حَيًّا ? هو خبرها، فقوله سبحانه ? وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ? "دام" استوفت شروطها بتقدم "ما" المصدرية الظرفية عليها، وعملت هذا العمل، ذلك أن التاء هنا ضمير متصل مبني على الضم في محل "رفع" اسم "دام"، و? حَيًّا ? هو خبرها.
يُقال كلام كثير عن تقدم أخبارها عليها أو توسط الأخبار بينها وبين أسمائها، أما التوسط فقد رأيتم من الأمثلة أنه جائز وكثير، "ولا زال منهلا بجرعائك القطر"، وفي قول الله عزّ وجلّ ? لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ ? [الغاشية: ٦] ، لا مانع من أن يتوسط الخبر بين الفعل وبين الاسم.
أما تقدم أخبارها عليها فباتفاق لا يجوز تقدم خبر "دام" عليها، لم؟ لأن "ما" المصدرية من الألفاظ التي لها الصدارة، فلا يتقدم شيءٌ من متبوعاتها عليها، أما ليس ففيها خلافٌ طويلٌ، والصحيح أنه لا يجوز تقدم خبرها عليها لأنه لم يرد له شواهد، أما بقية الأفعال فباتفاق لم يُخالف في جواز تقدم أخبارها عليها أحدٌ إلا إن كان النفي الذي نشترطه في الأدوات التي يُشترط فيها تقدم النفي عليها، إن كان النفي بـ"ما" فإنهم لا يجيزون تقدم الخبر عليها، أما إن كان النفي بـ"لا" أو بـ"لن" أو بغيرها فلا مانع من تقدم أخبارها عليها.