فصل بَلْ إنَّ شِرْك َ هَؤُلاءِ أَعْظمُ مِنْ شِرْكِ الجاهِلِيِّيْنَ، فإنَّ شِرْك َ الجاهِلِيِّيْنَ: كانَ في رَخائِهمْ، أَمّا إذا عَظمَتْ بهمُ الخطوْبُ، وَتكالبتْ عَليْهمُ الكرُوْبُ: دَعُوْا الله َ مُخْلِصِيْنَ لهُ الدِّينَ، كمَا قالَ سُبْحَانهُ: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}.
أَمّا مُشْرِكوْ زَمَانِنَا: فشِرْكهُمْ مُطرِدٌ مَعَهُمْ في رَخائِهمْ وَشدَائدِهِمْ، بَلْ إنَّ كثِيْرًا مِنْهُمْ يَدْعُو الله َ وَمَعَهُ غيْرَهُ في الرَّخاءِ، فإذا اشْتدَّ بهِ البلاءُ: أَخْلصَ الدَّعَاءَ لِغيْرِ الله!
حَتَّى أَنَّ مِنْهُمْ جَمَاعَة ً رَكِبوْا سَفِيْنة ً في البحْرِ، فتلاطمَتْ بهمُ الأَمْوَاجُ، وَكادُوْا يَغرَقوْنَ: فلجُّوْا جَمِيْعًا باِلدُّعاءِ مُتضَرِّعِيْنَ قائِلِيْنَ: «يَا بْنَ عِيْسَى (١)! يَا بْنَ عِيْسَى! حُلهَا يَا عَمُوْدَ الدِّيْن»!
ثمَّ أَخَذُوْا يَتَسابَقوْنَ بنذْرِ النُّذُوْرِ لهُ، وَالتَّعَهُّدِ بتقدِيْمِهَا عِنْدَ قبْرِهِ إنْ هُمْ نجَوْا مِنَ الغرَق ِ وَنَجَّاهُمْ، عِيَاذاً باِلله.
فلمّا أَنكرَ عَليْهمْ مُوَحِّدٌ كانَ مَعَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَدْعُوْا الله َ مُخْلِصِيْنَ لهُ الدِّينَ، وَيَتْرُكوْا غيْرَهُ مِنَ المخْلوْقِيْنَ: كادُوْا يَفتِكوْنَ
(١) - يَعْنُوْنَ سَعِيْدَ بْنَ عِيْسَى بْن ِ أَحْمَدَ العَمُوْدِيّ الحضْرَمِيّ (ت٦٧١هـ).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute