فإذا لمْ تَكنْ مَسْجِدًا: كانَ السُّجُوْدُ وَاقِعًا فِيْهَا فِي غيْرِ مَوْضِعِهِ،
فلا يَكوْنُ مُعْتَدًّا بهِ، كمَا لوْ وَقعَ في غيْرِ وَقتهِ، أَوْ إلىَ غيْرِ جِهَتِهِ، أَوْ فِي أَرْض ٍ خَبيْثة.
وَهَذَا الكلامُ مِنْ أَبلغِ مَا يدُلُّ عَلى الاشْتِرَاطِ، فإنهُ قدْ يتوَهَّمُ أَنَّ العِبَادَة َ تَصِحُّ مَعَ التَّحْرِيْمِ، إذا كانَ الخِطابُ خِطابَ أَمْرٍ وَتَكلِيْف.
أَمّا إذا وَقعَتْ في المكان ِ أَوِ الزَّمَان ِ الذِي بينَ أَنهُ ليْسَ مَحِلا ًّ لها وَلا ظرْفا: فإنهَا لا تَصِحُّ إجْمَاعًا.
وَأَيضًا، فإنَّ نهْيَهُ عَنْ صَلاةِ المقبَرَةِ، وَأَعْطان ِ الإبل ِ، وَالحمّامِ، مَرَّة ً بَعْدَ مَرَّة: أَوْكدُ شَيْءٍ في التَّحْرِيْمِ وَالفسَادِ، لا سِيَّمَا وَهُوَ نهْيٌ يَخْتَصُّ الصَّلاة َ بمعْنى فِي مَكانِهَا.
فإنَّ الرَّجُلَ إذا صَلى في مَكان ٍ نهَاهُ الله ُ وَرَسُوْلهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَليَ فِيْهِ، نهْيًا يَخْتَصُّ الصَّلاة َ: لمْ يَفعَلْ مَا أَمَرَهُ الله ُ بهِ، فيبْقى فِي عُهْدَةِ الأَمْرِ، بلْ قدْ عَصَى الله َ وَرَسُوْلهُ، وَتعَدَّى حُدُوْدَه.
وَأَيضًا، لعْنتهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يتخِذُ القبوْرَ مَسَاجِدَ، وَوَصِيَّتُهُ بذَلِك َ في آخِرِ عُمْرِهِ وَهُوَ يُعَالِجُ سَكرَاتِ الموْتِ، بَعْدَ أَنْ نهَى عَنْ ذلِك َ قبْلَ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخمْس. وَبيانهُ أَنَّ فاعِلِي ذلِك َ شِرَارُ الخلق ِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَمِنَ الأُمَمِ قبْلهَا: بيانٌ عَظِيْمٌ لِقبْحِ هَذَا العَمَل ِ، وَدَلالة ٌ عَلى أَنهُ مِنَ الكبائِرِ، وَأَنهُ مُقارِبٌ لِلكفرِ، بَلْ رُبمَا كانَ كفرًا صَرِيْحًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute