للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَكانَ الصَّحَابة ُ وَالتّابعُوْنَ - لمّا كانتِ الحجْرَة ُ النَّبَوِيَّة ُ مُنْفصِلة ً عَن ِ المسْجِدِ إلىَ زَمَن ِ الوَلِيْدِ بْن ِعَبْدِ الملِكِ (ت٩٦هـ) -: لا يَدْخُلُ أَحَدٌ إليْهِ، لا لِصَلاةٍ هُنَاك َ، وَلا تمَسُّحٍ باِلقبرِ، وَلا دُعَاءٍ هُنَاك َ، بَلْ هَذَا جَمِيْعُهُ إنمَا كانوْا يَفعَلوْنهُ فِي المسْجد.

وَكانَ السَّلفُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتّابعِينَ إذا سَلمُوْا عَلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرَادُوْا الدُّعَاءَ: دَعَوْا مُسْتَقبلِي القِبْلةِ، وَلمْ يَسْتَقبلوْا القبْر.

وَأَمّا الوُقوْفُ لِلسَّلامِ عَليْهِ صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ وَسَلامُهُ: فقالَ أَبوْ حَنِيْفة َ: «يَسْتَقبلُ القِبْلة َ أَيضًا، وَلا يَسْتَقبلُ القبرَ».

وَقالَ أَكثرُ الأَئِمَّةِ: «بَلْ يَسْتَقبلُ القبْرَ عِنْدَ السَّلامِ خَاصَّة».

وَلمْ يَقلْ أَحَدٌ مِنَ الأَئِمَّةِ: «إنهُ يَسْتَقبلُ القبْرَ عِنْدَ الدُّعَاء».

وَليْسَ فِي ذلِك َ إلا َّ حِكاية ٌ مَكذُوبة ٌ، ترْوَى عَنْ مَالِكٍ، وَمَذْهَبُهُ بخِلافِهَا.

وَاتفقَ الأَئِمَّة ُ عَلى أَنهُ لا يَتَمَسَّحُ بقبْرِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا يُقبله.

وَهَذَا كلهُ مُحَافظة ٌ عَلى التَّوْحِيْدِ، فإنَّ مِنْ أُصُوْل ِ الشِّرْكِ باِللهِ: اتخاذَ القبوْرِ مَسَاجِدَ، كمَا قالَ طائِفة ٌ مِنَ السَّلفِ فِي قوْلِهِ تَعَالىَ: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً}.

قالوْا: «هَؤُلاءِ كانوْا قوْمًا صَالِحِينَ فِي قوْمِ نوْحٍ، فلمّا مَاتوْا عَكفوْا عَلى قبوْرِهِمْ، ثمَّ صَوَّرُوْا عَلى صُوَرِهِمْ تمَاثِيْلَ، ثمَّ طالَ عَليْهمُ الأَمَدُ فعَبَدُوْهَا».

<<  <   >  >>