للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

في المدنية ونظام الحكم وحياة الناس واجتماعهم وأخلاقهم، وانعكست ميولهم ورغباتهم في المدنية وظهرت خصائصهم فيها، فلا عداء بين الروح والمادة ولا صراع بين الدين والسياسة ولا تفريق بين الدين والدنيا، ولا تجاذب بين المصالح والمبادئ ولا تزاحم بين الأغراض والأخلاق، ولا تناحر بين الطبقات، ولا تنافس في الشهوات.

شروط الزعامة الإسلامية:

إن الزعامة الإسلامية تقتضي صفات دقيقة، واسعة جداً نستطيع أن نجمعها في كلمتين "الجهاد " و "الاجتهاد"، فهاتان كلمتان خفيفتان بسيطتان، ولكنهما كلمتان جامعتان عامرتان بالمعاني الكثيرة.

الجهاد:

أما الجهاد فهو بذل الوسع وغاية الجهد لنيل أكبر مطلوب، وأكبر وطر للمسلم طاعة الله ورضوانه والخضوع لحكمه والإسلام لأوامره، وذلك يحتاج إلى جهاد طويل شاق ضد كل ما يزاحم ذلك من عقيدة وتربية وأخلاق وأغراض وهوى وكل من ينافس في حكم الله وعبادته من آلهة في الأنفس والآفاق، فإذا حصل ذلك للمسلم وجب عليه أن يجاهد لتنفيذ حكم الله وأوامره في العالم حوله وعلى بني جنسه، فريضة من الله وشفقة على خلق الله، ولأن الطاعة الانفرادية قد تصعب وتمتنع أحياناً بغير ذلك، وذلك ما يسميه القرآن " الفتنة " ومعلوم أن العالم كله بما فيه من جماد ونبات وحيوان وإنسان خاضع لمشيئة الله وأحكامه التكوينية وقوانينه الطبيعية {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} فيتعين أن جهاد

المسلم إنما هو لتنفيذ شريعته التي جاء بها الأنبياء، وإعلاء كلمته ونفاذ أحكامه، فلا حكم إلا لله ولا أمر إلا له، وهذا الجهاد مستمر ماض إلى يوم القيامة، له أنواع وأشكال لا يأتي عليها الحصر، منها القتال، وقد يكون أشرف أنواعه وغايته أن لا تبقى في الدنيا قوتان متساويتان متنافستان تتجاذبان الأهواء والأنفس {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} .

ومن مقتضيات هذا الجهاد أن يكون الإنسان عارفاً بالإسلام الذي يجاهد لأجله وبالكفر والجاهلية التي يجاهد ضدها، يعرف الإسلام معرفة صحيحة ويعرف

<<  <   >  >>