للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الكفر والجاهلية معرفة دقيقة، فلا تخدعه المظاهر ولا تغره الألوان ولا تعزه الألوان، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما ينقض الإسلام عروة عروة من نشأ في الإسلام ولم يعرف الجاهلية. ولا يجب على كل مسلم أن تكون معرفته دقيقة بالكفر والجاهلية ومظاهرهما وأشكالهما وألوانهما. ولكن على من يتزعم الإسلام ويتولى قيادة الجيش الإسلامي ضد الكفر والجاهلية، أن تكون معرفته بالكفر والجاهلية فوق معرفة عامة المسلمين وأوساطهم.

كذلك يجب أن يكون استعدادهم كاملاً وقوتهم تامة، يقارعون الحديد بالحديد بل بأقوى من الحديد، ويقابلون الريح بالإعصار، ويواجهون الكفر وأهله بكل ما يقدرون عليه، وبكل ما امتدت إليه يدهم، وبكل ما اكتشفه الإنسان ووصل إليه العلم في ذلك العصر، من سلاح وجهاز واستعداد حربي، لا يقصرون في ذلك ولا يعجزون: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ} .

الاجتهاد:

أما الاجتهاد فنريد به أن يكون من يرأس المسلمين قادراً على القضاء الصحيح في النوازل الحوادث التي تعرض في حياة المسلمين وفي العالم وفي الأمم التي يحكمها، وفي المسائل التي تفاجئ وتتجدد، والتي لا يستقصيها فقه مدون ومذهب مأثور وفتاوى مؤلفة، ويكون عنده من معرفة روح الإسلام وفهم أسرار الشريعة والاطلاع على أصول التشريع وقوة الاستنباط - انفراداً أو اجتماعاً- ما يحل به هذه المشاكل ويرشد الأمة في الغمة.

ويكون عنده من الذكاء والنشاط والجد والعلم ما يستخدم به ما خلق الله في هذا الكون من قوى طبيعية، وما بث في الأرض وتحت الأرض من خيرات ومنابع ثروة وقوة، وأن يسخرها لمصلحة الإسلام بدل أن يستخدمها أهل الباطل لأهوائهم، ويتخذوها وسيلة للعلو في الأرض، ويسخرها الشيطان لتحقيق أغراضه والإفساد في الأرض.

انتقال الإمامة من الأكفاء إلى غير الأكفاء:

ولكن من الأسف ومن سوء حظ العالم البشري أن تولى هذا المنصب الخطير رجال لم يكونوا له أكفاء، ولم يُعدوا له عدة، ولم يأخذوا له أهبة، ولم يتلقوا تربية دينية وخلقية كما تلقى الأولون وكثيرون في عصرهم وجيلهم، ولم يسيغوا تعاليم

<<  <   >  >>