الإسلام إساغة تليق بقيادة الأمة الإسلامية والاضطلاع بزعامتها، ولم تنق رؤوسهم ولا نفوسهم من بقايا التربية القديمة، ولم يكن عندهم من روح الجهاد في سبيل الإسلام ومن قوة الاجتهاد في المسائل الدينية والدنيوية ما يجعلهم يضطلعون بأعباء الخلافة الإسلامية- وهذا الحكم عام يشمل خلفاء بني أمية وبني العباس، حاشا الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز (م ١٠١هـ) .
تحريفات الحياة الإسلامية:
فظهر من ذلك ثلمات في ردم الإسلام لم تسد إلى الآن، ووقعت تحريفات في الحياة الإسلامية.
فصل الدين عن السياسة:
وقع فصل بين الدين والسياسة عملياً، فإن هؤلاء لم يكونوا من العلم والدين بمكان يستغنون به عن غيرهم من العلماء وأهل الدين فاستبدوا بالحكم والسياسة، واستعانوا- إذا أرادوا واقتضت المصالح- بالفقهاء ورجال الدين كمشيرين متخصصين، واستخدموهم في مصالحهم واستغنوا عنهم إذا شاؤوا، وعصروهم متى شاءوا، فتحررت السياسة من رقابة الدين، وأصبحت قيصرية أو كسروية مستبدة، وملكاً عضوضاً، وأصبحت السياسة كجمل
هائج حبله على غاربه، وأصبح رجال الدين والعلم بين معرضة للخلافة وخارج عليها، وحائد منعزل اشتغل بخاصة نفسه وأغمض العين عما يقع ويجري حوله، يائساً من الإصلاح، ومنتقد يتلهف ويتنفس الصعداء مما يرى ولا يملك من الأمر شيئاً، ومتعاون مع الحكومة لمصلحة دينية أو شخصية، ولكلٍّ ما نوى، وحينئذ انفصل الدين والسياسة، وعادا كما كانا قبل عهد الخلافة الراشدة أصبح الدين مقصوص الجناح مكتوف الأيدي، وأصبحت السياسة مطلقة اليد حرة التصرف نافذة الكلمة صاحبة الأمر والنهي، ومن ثمَّ أصبح رجال العلم والدين طبقة متميزة، ورجال الدنيا طبقة متميزة، والشقة بينهما شاسعة، وفي بعض الأحيان بينهما عداء وتنافس.
النزعات الجاهلية في رجال الحكومة:
ولم يكن رجال الحكومة حتى الخلفاء أمثلة كاملة في الدين والأخلاق، بل كان في كثير منهم عروق للجاهلية ونزعاتها، فسرت روحهم ونفسيتهم في الحياة العامة والاجتماع، وأصبحوا أسوة للناس في أخلاقهم وعوائدهم وميولهم، وزالت