للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

رقابة الدين والأخلاق وارتفعت الحسبة وفقدت حركة الأمر المعروف والنهي عن المنكر سلطانها، لأنها لا تستند إلى قوة ولا تحميها حكومة، وإنما يقوم بها متطوعون لا قوة لديهم ولا عقاب، والدواعي إلى خلافها متوافرة قوية، فتنفست الجاهلية في بلاد الإسلام ورفعت رأسها، وأخلد الناس إلى الترف والنعيم وإلى الملاهي والملاعب، وانغمسوا في الملذات والشهوات واستهتروا استهتاراً، ونظرة في كتاب الأغاني وكتاب الحيوان للجاحظ تُريك ما كان هنالك من رغبة جامحة إلى اللهو، وتهافت على الملاهي والملذات، ونهمة للجياة الدنيا وأسبابها، وبهذه السيرة، وبهذه الأخلاق المنحطة، ومع هذا الانهماك في الملاهي لا تستطيع أمة أتؤدي رسالة الإسلام، وأن تقوم في الدنيا مقام خلفاء الأنبياء، وتذكر بالله والآخرة وتحض على التقوى والدين، وأن تكون أسوة للناس في أخلاقها، بل لا تستطيع أن تتمتع بالحياة والحرية زمناً طويلاً: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} .

سوء تمثيلهم للإسلام:

وكان هؤلاء في كل ما يأتون ويذرون ممثلين لأنفسهم وسياستهم فقط، لا يمثلون الإسلام، ولا سياسته الشرعية، لا قانونه الحربي، ولا نظامه المدني، ولا تعاليمه الأخلاقية إلا في النادر ففقدت رسالة الإسلام تأثيرها وقوتها في قلوب غير المسلمين وضعفت ثقتهم به. وفي لفظ مؤرخ أوربي- بدأ الإسلام بالانحطاط، لأن البشرية بدأت تشك في صدق القائمين بتمثيل الديانة الجديدة.

قلة الاحتفال بالعلوم العملية المفيدة:

إن العلماء المفكرين منهم لم يعتنوا بالعلوم الطبيعية التجريبية والعلوم العملية المثمرة المفيدة اعتناءهم بعلوم ما بعد الطبيعة والفلسفة الإلهية التي تلقوها من اليونان وما هي إلا وثنيتهم القومية التي ترجموها في لغتهم الفلسفية، وأضفوا عليها لباساً من الفن، وما هي إلا ظنون وتخمينات وطلاسم لفظية لا حقيقة لها ولا معنى، وقد أغنى الله المسلمين عنها وكفاهم هذا البحث والتنقيب، وعملية تجزئة وتحليل في مسائل ذات الله وصفاته وما يتعلق بها أشبه بالتحليل الكيمياوي بما أنزل إليهم بينات من الهدى والفرقان وجعلهم على نور من ربهم، ولكن المسلمين لم يشكروا هذه النعمة العظيمة، وظلوا قروناً طويلة يجاهدون من هذه العلوم والمباحث في غير جهاد، ويضيعون ذكاءهم في مباحث فلسفية وكلامية لا تجدي نفعاً ولا تأتي بنتيجة، وليس

<<  <   >  >>