للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويقول في مكان آخر من هذا الكتاب:

((إن نظرية الحياة التي تسود على هذا العصر وتحكم عليه: هي النظر في كل مسألة وشأن من ناحية المعدة والجيب (stomach and pocket view of life) .

وقد أجاد الصحفي الأمريكي المشهور (Jhon Gunther) تمثيل هذه النفسية في كتابه في ((داخل أوربا)) (Inside Europe) بقوله:

((إن الإنجليز إنما يعبدون بنك إنجلترا (Bank of England) ستة أيام في الأسبوع ويتوجهون في اليوم السابع إلى الكنيسة)) .

مظاهر الطبيعة في أوربا:

إن هؤلاء الذين لا يؤمنون بحياة أخرى ولا يعتقدون وراء اللذة والتمتع بالحياة والعلو في الأرض غاية عليا، ولا يذكرون الله إلا نادراً، ولا يرجون له وقاراً، كيف يرجى منهم أن يتضرعوا إلى الله إذا مسهم الضر، ويخبتوا إليه وينيبوا إذا دهمهم الخطر كما ذكر الله عن المشركين الذين كانوا يؤمنون بالله: {َإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} ** {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} ولكن هؤلاء - بإمعانهم في المادية والتمسك بالأسباب الظاهرة والتعلل بها واستغنائهم عن الله - قد وصلوا من القسوة والغفلة إلى حيث صدق عليهم قول الله: {وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وقوله عز وجل: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} فلا تكاد تشعر في خطب الزعماء والوزراء في أوربا برقة قلب وانكساره

وإخبات إلى الله في أدهى ساعات الحرب وأمرِّها، ولا تشاهد شيئاً من ذلك في أخلاق الشعب وأعماله وأفراحه، ويعد ذلك مفكرو الغرب وأدباؤه من باب التجلد وقوة القلب وإباء الضيم، وقد افتخر أحد زعماء الإنجليز وكبار رجال السياسة في البرلمان الإنجليزي بأن رجال الشعب الإنجليزي لم يستسلموا للحوادث والنوازل، واستشهد على ذلك بأن المشتغلين بالرقص واللهو في سنغافورة لم يتحولوا عن مكانهم ولم يؤخروا أدوار الرقص والغناء، وطيارات اليابان تمطر المدينة شآبيب القنابل. ويحكي هندي عن سهرة شهدها قال: ((بينما نحن في الرقص إذ سمعنا الإنذار بالغارة الجوية فساد الهدوء في المكان، ثم قال أحد أصحاب المجلس:

<<  <   >  >>