ويقول هذا المؤلف في كتابه الثاني (Philosophy for our Times) .
((لم يزل سائداً على عقلية انكلترا منذ قرون شرهُ المال والتملك، وكانت رغبة نيل الثروة أقوى عامل في حياة البلاد وأكبر باعث على العمل، لأن الثروة وسيلة للتملك، وضخامته ووفرته مقياس لكفاءة الإنسان، ولم يزل الناس يتلقون من طرق السياسة والأدب والتمثيل والسينما والإذاعة اللاسلكية، وفي بعض الأحيان من منابر الكنائس في ظل عام وشهر - التحريضات على جمع المال واقتنائه والإقناع بأن الأمة المتمدنة هي التي ارتقت فيها عاطفة الشره والتملك.
إن هذه العبادة للمال تناقض عقائدنا الدينية، لأن الدين يمدح الفقر ويذم الغنى، ويقول: إن الفقير أقدر على الصلاح من الغني، ومع أن الحكمة والنعيم الديني متفقان على أن الفقر أوفق لعبادة الله ودخول الجنة، ولكن الناس لم يرغبوا إلى تصديق الدين في ذلك والعمل بأحكامه، ولم يزالوا يؤثرون الثروة الحاضرة على نعيم الجنة الموعود، لعلهم يظنون أنهم إذا تابوا في آخر عهدهم بالدنيا فإنهم يحرزون حسنى الآخرة، كما ظفروا بحسنى الدنيا بأموالهم المودعة في المصارف.
وقد أعرب عن فكرتهم هذه (Sammuel Butler) في كتابه بقوله: ((إن بعض المؤلفين يقولون: إنا لا نستطيع أن نجمع بين عبادة الله وعبادة المال، وأنا أسلم أن الأمر ليس بميسور، ولكن متى تكون المهمات في الدنيا ميسورة سهلة؟
فمهما اختلفنا في المبادئ فإن الحقيقة الراهنة أن كلنا راسخ في تقليد بتلر واتباعه، فنحن مشغوفون بحب المال، وعقيدتنا أن الثروة هي المقياس الصحيح لعظمة الفرد والحكومة، وكانت سبباً لظهور مبدأين لهما الأهمية التاريخية الكبرى.
أحدهما: مبدأ عدم التدخل الاقتصادي الذي كان سائداً على القرن التاسع عشر، ويدعي أصحاب هذا المبدأ أن الإنسان يبني عمله على أعظم نفع يجلبه، وأن ليس الباعث على الأعمال الالتذاذ بالعواطف القلبية بل الالتذاذ بالثروة.
والمبدأ الثاني الذي يسود القرن العشرين: هو مبدأ التنظيم الاقتصادي المنسوب إلى ماركس، ويقوم هذا المبدأ على أن نظام الإنسان الاقتصادي إنما يتأسس على حوائج الإنسان المالية، وهذا النظام هو الذي يخلق الأدب والأخلاق والدين والمنطق ونظام الحكومة، ولم
يكن هذان المبدآن لينالا القبول الذي نالاه لولا شغف الناس في بلادنا بالمال والاهتمام الزائد به)) .