يرى كارل ماركس أن النظام الاقتصادي هو روح الاجتماع وأن الدين والحضارة وفلسفة الحياة والفنون الجميلة كلها عكس لهذا النظام الاقتصادي، هو يقول: إن في كل عصر وفي كل دور من أدوار التاريخ طريقة خاصة للإنتاج الصناعي وعلى وفقها تتعين العلاقات الاجتماعية، ولكن بغد قليل لا تبقى هذه العلاقات الاجتماعية متوافقة متناسبة مع طرق الإنتاج ويجتهد بعض الناس لتشكيل هذه العلاقة تشكيلاً جديداً، وهذه هي التي تعرف في التاريخ بالانقلابات والثورات. والمؤرخ يجهل ماهيتها ولكن لا غرابة في ذلك، فإن الذين يشتركون في هذه الثورات قد لا يشعرون أنفسهم بالغاية التي يقاتلون لأجلها، ولكن يمكن لنا أن نحل هذه الألغاز ونعلم أن الارتقاء السياسي والتعديلات والتحسينات في النظم السياسية وما يطرأ عليها من التغيير والتطور ليست إلا صوراً جديدة للعلائق الاجتماعية تظهر لتجعل هذه العلائق متناسبة متوافقة بطرق الإنتاج الجديدة من جديد، ولما كان الاختلاف بين طرق
الإنتاج الصناعي والعلائق الاجتماعية التي تقوم عليها مستمراً فيكون الجهد لتطبيقها مستمراً أيضاً، وإذا تجاوز الاختلاف واشتد ظهر في شكل ثورة، ولكن لا ينبغي لنا - إذا لم يكن الاختلافات واضحة - أن ننفي وجودها وننكرها، والاختلاف بين مناهج الإنتاج الصناعي والوشائج الاجتماعية يظهر في حرب الطبقات، لأن جميع طبقات الاجتماع إنما هي أجزاء النظام الاقتصادي، ويستنتج من ذلك كارل ماركس أن التاريخ البشري غير العهد الذي كانت الحياة البشرية في طفولتها ليس إلا قصة حرب الطبقات الاجتماعية المختلفة.
وهكذا جحد الرجل جميع نواحي البشرية غير الناحية الاقتصادية ولم يعر غيرها شيئاً من العناية، ولم يقم للدين والأخلاق والروح والقلب وحتى العقل وزناً وقيمة، ولم يعترف أن أحداً منها كان عاملاً من عوامل التاريخ، وأن جميع الحروب والثورات في التاريخ لم يكن إلا ثاراً لبطن من بطن، وجهاداً في سبيل تنظيم جديد للنظام الاقتصادي وطرق الإنتاج الصناعي، وحتى الحروب الدينية لم تكن عنده إلا حرب الطبقات الاقتصادية استأثرت إحداها بموارد الثروة ووسائلها وطرق الإنتاج، واجتهدت الأخرى في أن تنافسها وتتناول قسطها أو أن تنظمها من جديد فوقعت الحرب، ويجب أن تكون كذلك في رأيه ((بدر)) و ((أُحد)) و ((الأحزاب)) و ((القادسية)) و ((اليرموك)) ، ووقائع ومعارك حفظها التاريخ.