((يصعب علينا الآن أن ندرك تلك الدهشة والاستغراب الذي فاجأ أجددنا عندما ظهر كتاب أصل الأنواع لدارون، وعندما جاءت النتائج أن دارون اثبت - أو يظن أنه أثبت - أن عمل ارتقاء الحياة على هذا الكوكب (الأرض) لم يزل مستمراً متوصلاً من ظهور الأميبا (Amoeba) وفرخ البحر (Jelly Fish) في أشكاله الأولى إلى أشكاله النهائية العليا وهي أرقى أشكال الحياة وأعلاها، فلم يزل عمل الارتقاء من الأميبا إلى طورنا متواصلاً غير منقطع)) .
((بالعكس من ذلك أن الذين عاشوا في عصر فكتوريا إنما أرشدوا أن الإنسان خلق مستقل، وهو في الحقيقة نوع من ملك منحط، أما إذا كان دارون مصيباً فالإنسان لم يكن إلا قرداً راقياً، فعز على أهل عصر فكتوريا أن يكون الإنسان قرداً راقياً بدل أن يكون ملكاً منحطاً، وما طابت لهم هذه النظرية واجتهدوا أن يخلصوا الإنسان من هذه السبة التي لحقتهم من هذه العقيدة في الإنسان واقترحوا لذلك اقتراحات (١)) .
إقبال الجمهور على نظرية الارتقاء:
ولكن الجمهور والدهماء من الناس تلقوا هذه النظرية بالقبول - رغم ما فيها من ضعف ونقص من الوجهة العلمية - فهموها أو لم يفهموها - وكأن الأذهان كانت متهيئة لمثل هذه النظرية، وكأن الناس وجدوا فيها منافساً للدين ورجاله، وصعب على رجال الدين أن يعارضوا هذا التيار الجارف من أفكار الناس وأذواقهم والسيل العرم من المنشورات والمحاضرات، فوضعت الكنيسة أوزارها في هذه الحرب حتى إذا مات دارون سنة ١٨٨٣ م منحته الكنيسة الإنجليزية أكبر شرف تمنحه لإنسان، وذلك بأنها أذنت بدفنه في ويست منسترايبي محل دفن الرجال الدينيين.