للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

التخليط بين الوسائط والغايات:

أما الأوربيون فقد حرموا أنفسهم الدين، فلم يبق لهم رادع من خلق أو وازع من دين، أو مرشد من علم إلهي يرشدهم إلى الجادة، ونسوا غاية خلقهم ومبدأهم ومصيرهم وقالوا: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} فاعتقدوا بطبيعة هذه العقيدة أن ليس للإنسان وراء اللذة والراحة والانتفاع المادي والعلو في الأرض وبسط السيطرة عليها - كمملكة لا سيد لها ولا وارث - والتغلب على أهلها والاستئثار بخبراتها وخزائنها، مقصد ولا غاية، فاستعملوا هذه القوة والعلم في حصول اللذات والتغلب على الناس وقهر المنافسين، وتنافسوا في اختراع الآلات التي ينالون بها وطرهم ويعجزون بها غيرهم، ولم يزل بهم ذلك حتى اختلطت عليهم الوسائط بالغايات، فاعتقدوا الوسائط غايات، وافتتنوا بالمخترعات والمكتشفات كغاية في نفسها لا لغيرها، وعكفوا عليها وتشاغلوا بها كتشاغل الصبيان باللعب والدُّمى، واعتقدوا أن الراحة هي الحضارة ثم تقدموا وصاروا يعتقدون أن السرعة هي الحضارة.

يقول الأستاذ جود:

((يقول دزرائيلي Disraeli إن المجتمع في عصره يعتقد أن الحضارة هي الراحة، أما نحن فنعتقد أن الحضارة عبارة عن السرعة، فالسرعة هي إله الشباب العصري، وإنه يضحي على نُصبه بالهدوء والراحة والسلام والعطف على الآخرين من غير رحمة (١)) .

عدم تعادل القوة والأخلاق في أوربا:

إن الأوربيين قد فقدوا تعادل القوة والأخلاق والتوازن بين العلم - بظاهر من الحياة الدنيا - والدين منذ قرون، فلم تزل القوة والعلم في أوربا بعد النهضة الجديدة


(١) Guide to Modern Wickedness. p. ٢٤١.

<<  <   >  >>