ينموان على حساب الدين والأخلاق، ولم يزل الأولان في ارتفاع وارتقاء، والآخران في انخفاض وانحطاط، حتى بعدت النسبة بينهما، ونشأ جيل كأنه ميزان لصقت إحدى كفتيه بالأرض وهي كفة القوة والعلم، وخفت الثانية - وهي كفة الأخلاق والدين - حتى ارتفعت جداً، وبينما يتراءى هذا الجيل للناظر في خوارقه الصناعية وعجائبه الكونية وتسخيره للمادة والقوى الطبيعية لمصالحه وأغراضه كأنه فوق البشر إذا هو لا يتميز في أخلاقه وأعماله، في شرهة وطمعه، في طيشه ونزقه، وفي قسوته وظلمه عن البهائم والسباع، وبينما هو قد ملك جميع وسائل الحياة، إذا هو لا يدري كيف يعيش! وبينما هو قد بلغ الغايات ووراء الغايات في الكماليات وفضول الحياة، إذا هو لا يدري كيف يعيش! وبينما هو قد بلغ الغايات ووراء الغايات في الكماليات وفضول الحياة، إذا هو لم يعرف المبادئ الأولية والبديهيات للحياة الإنسانية والمدنية والأخلاق، فتراه يصعد إلى السماء ويريد أن يناطح الجوزاء، وهو لم يتقن شئون الأرض ولم يصلح ما تحت قدميه، وقد خولته العلوم الطبيعية قوة قاهرة وهو لا يحسن استعمالها، كفل صغير أو سفيه أو مجنون يملك أزمَّة الأمور ويؤتى مفاتيح الخزائن، فهو لا يزيد على أن يعبث بالجواهر الغالية والنفائس المخزونة ويعيث في دماء الناس ونفوسهم.
قوة الآلهة، وعقل الأطفال:
يقول الأستاذ ((جود)) الإنجليزي: ((إن العلوم الطبيعية قد منحتنا القوة الجديرة بالآلهة، ولكننا نستعملها بعقل الأطفال والوحوش (١)) .
ويقول في موضع آخر:
إن هذا التفاوت بين فتوحنا العلمية المدهشة، وطفولتنا الاجتماعية المخجلة، نواجهه على كل منعطف ومنعرج نستطيع أن نتحدث من وراء القارات والبحار ونرسل الصور
بالبرق ونركب اللاسلكية في منازلنا، ونستمع في سيلان إلى دقات (Big Ben) - الساعة العظمى - تضرب في لندن، ونركب فوق الأرض