للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

* ما لجرح بميت إيلام *

أشد العقبات التي واجهها الأنبياء والدعاة الدينيون , واصطدمت بها خطبهم ومواعظهم ودعوتهم , هم أولئك الذين حرموا الحاسة الدينية أو فقدوها بتاتًا , والذين تحجرت قلوبهم وماتت نفوسهم في مسألة الدين, والذين آلوا على أنفسهم أنهم لا يفكرون في أمر الدين وأمور الآخرة , ولا يلقون السمع لهذا الموضوع أصلاً , والذين لما سمعوا كلام النبي الذين تجيش له الصدور وتلين له الصخور , ما زادوا أن قالوا في صمم وإعراض: {إِنْ هِيَ إِلّاحَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} ولما انتهى النبي من كلامه السائغ المعقول الذي يفهمه الأطفال , والذين كان بلغتهم الفصيحة قالوا: {مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً} , {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} .

لاشك أن هذه الأسئلة كانت موضوع دراسة العلماء والمفكرين في فجر النهضة الأوربية الجديدة , واستمروا يبحثون فيها ويؤلفون ويتناقشون , ولكن كلما قطعت المدنية الأوربية شوطًا تخلفت هذه المباحث والأسئلة شوطًا؛ ولما ظهرت خواص هذه المدنية الباطنة وتجلت هي في مظهرها المادي خفت - في ضجتها - هذا الصوت الذي كان ينبع من أعماق القلب وقرارة الضمير الإنساني الحي , ولا ينكر أن هذه الأسئلة تدرس في قسم الفلسفة وعلوم ما وراء الطبيعة في المدارس والمجامع العلمية والمكاتب العامة , ويتباحث فيها العلماء المتخصصون وتظهر لهم في هذا الموضوع تأليفات بين آونة وأخرى؛ ولكن الذي لاشك فيه أنها فقدت سلطانها على القلوب والأفكار وامحت علامة الاستفهام الواضحة النيرة التي كان يراها كل إنسان عاقل فيقف أمامها كما تقف القطر أمام الإشارات , وأصبحت هذه الاستفسارات لا تحيك في صدر الإنسان ولا تشغله كما كانت تشغل آباءه وتحيك في صدوهم , ولم يكن ذلك عن إيمان وانشراح صدر وطمأنينة قلب واقتناع بحل صحيح وارتياح إلى نتيجة حاسمة. كلا! لم يكن ذلك إلا لأن هذه الأسئلة قد فقدت أهميتها وأخلت مكانها لأسئلة مادية أهم في أعين أبناء القرنين التاسع عشر والعشرين منها , ولأن رجل العصر قد لزم الحياد التام في هذه المسائل وصرف النظر عنها , فلا عليه إن كانت بعد هذه الحياة حياة ثانية وكانت الجنة والنار

والثواب

<<  <   >  >>