والعقاب والنجاة والهلاك أو لم تكن , فلا يهمه شيء من ذلك لا سلبًا ولا إيجابًا , لأن شيئاً من ذلك لا يمس مسائلة اليومية أو في آخر الشهر , ولا يتصل بشخصه ولا يترك عاجلاً بآجل ولا يتكلف ما لا يعنيه فيترك هذه المباحث ((الفارغة)) يبحث فيها معلم الفلسفة في الجامعة ويفضي فيها برأيه المؤلف في هذه الموضوع. أما هو فهو رجل جد وعمل، لا يعرف إلا حياة المصانع والإدارات وسير الماكينات ولا يهتم إلا بتسلية النفس وترويحها في آخر النهار والنوم الهادئ في آخر الليل والأجرة في آخر الأسبوع أو الراتب في أواخر الشهور وحساب الأرباح في أخر السنة وإعادة الصحة والشباب في آخر العمر وأما ما بعد الحياة فهو عنده مجهول ووهم من الأوهام:{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمِونَ} .
إن هذا الضرب من الناس لا يزال يزداد عدداً وأهمية في كل أمة وبلاد بتأثير الحضارة الغربية، ذلك الضرب من الناس لم يترك واشتغالهم بالحياة الدنيا والعكوف عليها فراغاً لدعوة دينية، وإن الذين يدعوهم إلى الدين والحياة الأخروية ليتحير معهم كما يتحير السندباد البحري - كما تروي لنا حكاية ألف ليلة وليلة - مع بيضة العنقاء، ظنها السندباد البحري بناء من رخام فدار حولها عدة مرات ليبحث عن باب يدخل منه فلم يجد، كذلك الداعي الديني يدور حول رؤوسهم فلا يجد منفذاً يدخل منه إلى عقولهم، ويدخل به دعوته الدينية إلى نفوسهم، فقد أقفلت الحياة المادية ومسائلها جميع أبوابها وسدت جميع نوافذ فكرهم.
وكما أن رجلاً لم يحظ من الفطرة بالذوق الأدبي، يسمع الألحان الجميلة والأبيات الرقيقة فلا يعدها إلا أصواتاً لا فن فيها، كذلك الذي حرم الحاسة الدينية لا تؤثر فيه دعوة الأنبياء وخطب الوعاظ، وحكمة العلماء وأمثال الصحف السماوية، وتضيع فيه بلاغة البلغاء وإخلاص المخلصين، ويصبح كل ذلك صيحة في واد ونفخة في رماد:
لقد أسمعت لو ناديت حياً *** ولكن لا حياة لمن تنادي
والذي مني بهذا الضرب من الناس يفهم السر في قوله تعالى:{خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} ، {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ