ومما يروي لنا الشيوخ من ذلك: أنه وقع نزاع بين الهنادك والمسلمين في قرية كاندهلة من مديرية ((مظفر نكر)) في الولايات المتحدة الهندية على أرض، فادعى الهنادك أنها معبد لهم، والمسلمون أنها لهم مسجد. وتحاكموا إلى حاكم البلد الإنجليزي، فسمع الحاكم القضية ودلائل الفريقين ولم يطمئن إلى نتيجة، فسأل الهنادك: هل يوجد في القرية مسلم تثقون بصدقه وأمانته أحكم على رأيه؟ قالوا: نعم، فلان؛ وسموا شيخاً من علماء المسلمين وصالحيهم، فأرسل إليه الحاكم وطلبه إلى المحكمة، فلما جاءه الرسول قال: قد حلفت أن لا أرى وجه إفرنجي، ورجع الرسول فقال الحاكم: لا بأس، ولكن احضر وأدل برأيك في القضية، فحضر الشيخ وولى دبره إلى الحاكم وقال: الحق مع الهنادك في هذه القضية، والأرض لهم. وبذلك قضى الحاكم وخسر المسلمون القضية، ولكن كسبوا قلوب الهنادك وأسلم منهم جماعة.
وكذلك كان الناس يعدون العلم عارية مقدسة ووديعة من الله لا يبيعونه كسلعة في السوق، ولا يتعاونون به على إثم آثم وعدوان معتد، وكانوا لا يرضون أن يستعين به نظام جائر أو حكومة غير إسلامية.
ومما حكى لنا الثقات وقرأناه في التاريخ أن الشيخ عبد الرحيم الرامبوري (م ١٢٣٤ هـ) كان يعمل في بلدة رامبور براتب زهيد يتقاضاه كل شهر من الإمارة الإسلامية لا يزيد على عشر روبيات (أقل من جنيه مصري) فقدم إليه حاكم الولاية الإنجليزي المستر هاكنس وظيفة عالية في كلية بريلي راتبها مائتان وخمسون روبية (تسعة عشر جنيهاً مصرياً) ، وذلك يساوي خمسين جنيهاً في هذا العهد، ووعد بالزيادة في الراتب بعد قليل، فاعتذر الشيخ عن قبوله وقال: إني أتقاضى عشر روبيات وإنها ستنقطع إذا تحولت إلى هذه الوظيفة. فتعجب الإنجليزي وقال: ما رأيت كاليوم: أنا أقدم راتباً يزيد على راتبك الحالي بأضعاف أضعاف، وتترك الأضعاف المضاعفة وتقنع بالنزر اليسير!. فتعلل الشيخ بأن في بيته شجرة سدر وهو مغرم بثمرها وأنه سيحرمها إذا أقام في بريلي. ولم يفطن الإنجليزي بعد إلى مقصود الشيخ. فقال: أنا زعيم بأن هذا الثمر يصل إليك من رامبور إلى بريلي، فتشبث ثالثة بأن حوله طلبة وتلاميذ يقرؤون عليه في بلده فلو انتقل إلى هذه الوظيفة انقطعت دروسهم. ولم ييأس الإنجليزي المناقش من إقناعه فقال: أنا أجري لهم