وكانت الروابط والأواصر في الشرق - في الغالب - قائمة على أساس غير مادي إما عقلي وإما روحي ووجداني، وكان للأثرة والأنانية فيها نصيب ضئيل، وكان نتيجة ذلك وجود روابط وأواصر لا يمكن تعليلها بالمادة وجر النفع إلى أصحابها، وكانت هذه الروابط متغلغلة في الأحشاء؛ فمن ذلك أن علاقة التلميذ بأستاذه وإخلاصه وحبه له في العهد السابق، يزري بعلاقة الولد بوالده وحبه له في هذا العصر.
اشتهر نبأ وفاة الأستاذ الشهير العلامة نظام الدين اللكهنوي (م ١١٦١ هـ) صاحب منهاج الدرس النظامي الجاري تطبيقه في الهند وخراسان، فلما أتى النعي تلميذه السيد كمال الدين العظيما بادي، مات من شدة الحزن، وعمي تلمذه الآخر ((ظريف العظيما بادي)) من كثرة البكاء، وتحقق بعد ذلك أن الإشاعة كانت غير صحيحة (١) ، ولعل ذهن هذا
العصر لا يسيغ هذه الرواية، ولكن الذي عرف طبيعة الشرق، ومدى اتصال التلميذ هنالك بأستاذه وحبه له لم يستغرب هذه الرواية ولم يكذبها.
يعلم المطلع على تاريخ الأخلاق وفلسفتها أنه قد ظهرت مدرسة في أوربا قبل المسيح بأربعة قرون، وكان لها أنصار من كبار الفلاسفة والأخلاقيين إلى القرن التاسع عشر المسيحي، تدين باللذة البدنية وتعتقد أنها ميزان للأخلاق ومعيار الأعمال، وتشير على أتباعها بأن يهتبلوا فرص التمتع بالحياة الدنيا ويغتنموا فلتات الدهر.
وافترق أصحاب هذه المدرسة فرقتين؛ فمنهم؛ (أولو الأثرة) الذين يقولون: ينبغي أن لا يحول بين الإنسان وشهواته حائل حتى لا يدع حاجة في نفسه إلا قضاها، فينال بذلك النصيب الأكبر من اللذة والهناءة وقالوا: السعادة هي إرضاء الشهوة وقضاء مآرب النفس واقتطاف قطوف المسرة واللذة باليدين.
(١) نزهة الخواطر للشيخ عبد الحي الحسني (المجلد السادس) .