سمعناهم يشيدون ((بالخدمات الجلى والمساعدات العظيمة التي تقدمها الإذاعة البريطانية في سبيل نهضة الأقطار العربية وتوحيد تفكيرها وثقافتها وتوثيق الروابط بينها، وما تقوم به من نشر الثقافة العربية الإسلامية، وتعريف المسلمين بتاريخهم المجيد ومدنيتهم الزاهرة، وإطلاع العالم العربي على حقائق الأمور، وسير الحوادث في نزاهة وتجرد وصدق (١)) ولطالما سمعناهم وقرأنا لهم إشادة بإيمان هذه الحكومات بالديمقراطية الصحيحة وجهادها لتوطيد الأمن العام وسلام العالم وحرية الأمم المستضعفة والبلاد المهضومة، ورفعها لراية العدل والمساواة، والأخذ للمظلوم من الظالم، وقيامها للحق.. الخ.
فأن كان هؤلاء المتحدثون لا يرضى ضميرهم بما يقولون , ويعرفون أن هذه الكلمات في غير محلها , وإنما هو كله لمصالحهم المالية , فيالانحطاط النفس الشريفة , ويا لرخص السلعة الغالية , ويا ضيعة الكلمات العامرة بالمعاني , ويا شقاء اللغة العربية بأهلها! ٠وإذا كان ذلك
عن اعتقاد وثقة وفهم للمعنى , فيا جهلاً بالحقائق , ويا إنكاراً للمحسوس , ويا مسخاً للقلوب! ٠
وهذا عصر التناقض فيكتب أديب أو صحافي اليوم كتاباً حماسياً في سيرة بطل من أبطال الجهاد الإسلامي , أو مجدد من مجددي الإسلام , ولا يجف مداد مقالته أو كتابه ذلك حتى يكتب بقلمه تقريظاً أو ثناء على خائن من خونة الأمة , أو صنيعة من صنائع الأجانب لمصلحة سياسية ومنفعة مالية , ولا يرى في ذلك تناقضاً.
طلب ملك من ملوك العرب من شاعر عربي فرسه , فاعتذر أن يعطيها بأي ثمن كان وقال:
أبيت اللعن إن سكاب علق *** نفيس لا تعار ولا تباع
ولكن كأن الضمير عند هؤلاء الذين يشتغلون في الحكومات الأجنبية، أو يذيعون من محطاتها ما لا يرضى به ضميرهم ولا يصدق علمهم، أو يصدرون صحفاً، أو يؤلفون كتباً على جعالة أو راتب شهري؛ أذل وأرخص من جواد الجاهلي فهو يعار ويباع، وذلك لم يكن لعيار ولا ليباع.
(١) الكلمات التي بين القوسين منقولة لفظاً.