تعالى:{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} أما امتناعهم عن قبول منصب القضاء في نظام لا يرضونه ولا يرتاحون إلى سيره وتفاصيله فرواياته بلغت حد التواتر، واطردت في أدوار الحياة الإسلامية الأولى.
قارن هذا الاحتراس من التعاون على الإثم والعدوان، وهذا التعفف عن المشاركة في نظام غير صحيح، والامتناع من أدنى مساعدة لهدف لا يتفق ومصالح الأمة الإسلامية أو يعود عليها بالضرر أو فيه غش وخديعة للأمة. قارن كل ذلك بهذه المساعدة والتعضيد الذي تتمتع به الحكومات الأوربية من المسلمين، وهذا الذكاء واللباقة والقلم البليغ واللسان الذلق الذي ينتفع به الأجانب منهم في مصالحهم وإداراتهم.
فهنالك شبانٌ مسلمون وكتاب بارعون يتولون تحرير الصحف والمجلات التي تصدرها الحكومات الأجنبية لنشر دعايتها في بلاد المسلمين والتأثير في عقليتهم ونفسيتهم وتمويه الحقائق بمقدرة المأجورين من المسلمين أنفسهم.
وهنالك جماعة من ((الأفاضل)) ينحدرون من أصول عربية صميمة، وينتمون إلى بيوتات عريقة في المجد والإخلاص والإسلام، قد جاهد آباؤهم في سبيل الحق ومحق الباطل، وبقيت نسبتهم في أسمائهم تروي لنا تاريخاً مجيداً عن آبائهم حافلاً بجلائل الأهمال، وجرى دمهم في عروقهم، وظهر في ملامح وجوههم وتقاطيعها، يشتغلون اليوم في الحكومات الأجنبية، ويستعملون تلك اللغة المضرية الفصحى التي نزل بها القرآن الكريم، والتي تكلم بها رسل المسلمين في مجالس ملوك فارس والروم، فأدوا بها رسالة الإسلام، وألقوا المهابة في قلوبهم، والتي ألقى بها القواد المسلمين خطب الجهاد، بهذه اللغة الكريمة التي لا تليق إلا للبطولة الإسلامية، وبتلك الكلمات الفصيحة الرائعة التي لا تجمل إلا في مواضع الحق والجهاد، ينشر هؤلاء دعاية الحكومات الأجنبية التي تعبث بالمسلمين عبث اللاعب بالكرة، أو عبث الوليد بجانب القرطاس، وقد رزأتهم في سياستهم واستقلالهم وإيمانهم وعقلهم واقتصادهم، ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون.
قد سمعنا منهم أن هذه الحكومات تقوم بجهود نبيلة لخير العروبة والإسلام ورفع شأنهم. وأنها ((نور الحرية الوضاء في عالم ساده الظلام الدامس)) ، وقد