وليس على وجه الأرض اليوم أمة أو جماعة تخالف الأمم الغربية في عقائدها ونظرياتها وتزاحمها في سيرها وتعارضها في وجهتها وتناقشها في مبادئها وفلسفتها الجاهلية، ونظام حياتها المادي لا في أوربا ولا في أمريكا، ولا في أفريقية وآسيا، والذي نرى ونسمع من خلاف سياسي ونزاع بين الأمم فإنما هو تنافس في القيادة، وتنازع فيمن يكون هو القائد إلى هذه الغاية المشتركة، فدل المحور إنما كانت تكره أن يبقى الحلفاء مستبدين بالقيادة العالمية منذ زمن طويل، مستأثرين بموارد الأرض وخيرتها وأسواقها ومستعمراتها، وبشرف السيادة على العالم وحدهم مع أنها لا تقل عنهم في القوة والعلم والنظام والنبوغ والذكاء، بل ربما تفوقهم، أما إنها كانت تريد أن تسير إلى غاية أخرى وأن تقوم بدعوة المسيح، وتقيم في الأرض القسط، وأن تقود الأمم الدين والتقوى وتنصرف بها وتتجه من المادية إلى الروحانية والأخلاق، فهيهات هيهات.
أما روسيا الشيوعية فليست إلا ثمرة الحضارة الغربية، قد أينعت وادركت. ولا تمتاز عن الشعوب والدول الأوربية إلا أن روسية قد خلعت جلباب النفاق والزور ونفذت ما تزوره وتبطنه الأمم الغربية منذ زمن طويل، وتعتقده منذ قرون في الأخلاق والاجتماع، وقد استبطأت روسية سير هاتيك الأمم والدول في سبيل الإلحاد واللادينية والإباحية والمادية البهيمية فهي تريد أن تتولى قيادة العالم، وتسير بالأمم الإنسانية سيراً حثيثاً إلى ما وصلت إليه.
الشعوب والدول الآسيوية:
أما الشعوب والدول الآسيوية والأمم الشقية فهي في طريقها إلى الغاية التي وصلت إليها شعوب أوربا في الحضارة والسياسة، وتدين بما تدين به هذه الشعوب في الأخلاق والآداب والاجتماع وتعتقد ما تعتقده عن الحياة والكون، وتتحلى به من سيرة وخلق وتهذيب، إلا
أنها لا ترضى أن يتولى أمرها النزلاء الأجانب ويقيموا عليها الحجر كما يقام على السفيه، وأن تكون للأوربيين عليها دول وإمبراطوريات ينعمون في ظلها ويرتعون في جنباتها، ولا يكون لها مثلها في الشرق وأفريقية وآسية، ولا تستمتع حتى في داخل بلادها بما استمتع به الأوربيين ماديتهم وتنقم منهم أخلاقهم وسيرتهم وتنعى