عليهم فلسفتهم ومبادئهم فلعل ذلك لا يخطر منها على بال، بل قد زين لها كل ما تتصف به الأمم الأوربية فحلا في عينها.
وكلما سنحت لهذه الأمم فرصة الاستقلال وملكت زمام أمورها تجلت أخلاقها ومبادئها وظهرت سيرتها الجاهلية في صورتها الطبيعية الحقيقية، فإذا هي أفضع صورة وأبشعها في التاريخ، قساوة قلب وضراوة بالدم الإنساني وهتكاً للأعراض ونهباً للأموال وقتلاً وتدميراً، وقد ظهرت من بعض هذه الشعوب الآسيوية على أثر استقلالها من الحكم الأجنبي فظائع ومنكرات تستبشعها الوحوش والسباع وتستك منها الأسماع، فقد عاملت بعض الشعوب المواطنة بعصبية دينية وسياسية، معاملة عز نظيرها في التاريخ، رضعاء يقتلون ويُقطعون إرباً إرباً، ونساء تهتك أعراضهن ثم يقتلن من غير رحمة ولا حياء، وآبار تسمم وبيوت تهدم ونيران تشعل وقنابل تقذف، وإذا دخلوا قرية فاتحين منتشرين أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ووضعوا فيها السيف، وعاث الوحوش في الدماء والأعراض حتى أقفرت القرى، وامتلأت الآبار بالسيدات اللاتي آثرن الموت على هتك الأعراض، هذا عدا نساء قتلن بهمجية وطرق فظيعة لم تسبق في التاريخ، إلى غير ذلك من الأفاعيل التي يشك فيها الناس في البلاد الإسلامية والمتحضرة.
هذا غير ذلك الاضطهاد الديني والمقاطعة الاجتماعية التي تلقاها تلك الطوائف في بلادها، وما تلقى ثقافتها وديانتها من مطاردة ومهاجمة من تلقاء هذه الشعوب فتحرم الحرية الثقافية واللسانية وترغم على لغة مصطنعة دائرة، ويحاول الأقوياء أن يمحوا كل أثر من آثار حضارتها وثقافتها ويختلقوا عليها الأكاذيب والجنايات، ويمثلوا قصة الحمل والذئب كل يوم، فيعزل رجالها من الوظائف وتسد في وجوههم أبواب المعاش والتجارة والحرف، وتقفل دكاكينهم ومحالهم التجارة وتصادر أملاكهم وأموالهم بعلل واهية مضحكة.
ثم إن هذه الأمم أفلست إفلاساً شائناً في الدين والأخلاق، وقد أشربت في قلوبها حب المال والمادة، وتسلط عليها شيطان الأثرة والجشع حتى ضجت منها الحكومات وتعبت، فقد ارتفعت الأسعار ارتفاعاً فاحشاً، فلما التجأت الحكومة إلى التسعير اختفت السلع والأموال، وأصبح الناس لا يجدون كسوة ولا طعاماً ولا حاجة إلا بالسعر الذي يريده التاجر، فنفقت السوق السوداء وشاعت الجنايات