بالعيش في إقليم واسع، والوطنية الضيقة التي تنظر إلى كل أجنبي شزراً وتجحد له كل فضل وتحرمه كل حق.
ثم ضيق خناق هذه الحياة المادية المسيطرون السياسيون الذين يحتكرون وسائل الحياة والرزق والقوت، ويضيقون هذه الحياة لمن شاؤوا ويسعونها لمن شاؤوا، ويبسطون الرزق - زعموا - لمن شاؤوا ويقدرونه لمن شاؤوا، فأصبحت المدن الواسعة أضيق من جحر ضب، وأصبح الناس في بلادهم في شبه حجر كحجر السفيه واليتيم وضاقت على الناس الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم، وأصبح الناس في أغلال وأصفاد من المدينة والمملكة مُهددين في كل وقت بمجاعات مصطنعة وحقيقية، وحروب خارجية وداخلية، وإضرابات واضطرابات أسبوعية ويومية.
نعم ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام! ولا تزال في هذا العصر المتنور الواعي المثقف أديان تعبث بعقول الناس وتسخرهم كالحمير والبقر، وتزين لأتباعها قتل مئات من البشر لأجل بقرة ذبحت في عيد الأضحى، أو شجرة مقدسة عُضدت في قرية من القرى.
وهنالك أديان بغير اسم الأديان لا تقل في نفوذها وسلطانها ولا تقل في جورها وعدوانها وعبثها بعقول أتباعها وفي عجائبها عن الأديان القديمة، وهي والنظم السياسية والنظريات
الاقتصادية التي يؤمن بها الناس كدين ورسالة، كالجنسية والوطنية، والديموقراطية والاشتراكية، والدكتاتورية والشيوعية، وهي أقل مسامحة لمن لا يدين بها وأشد قسوة على منافسيها، وأضيق عطفاً من الأديان الجاهلية، والاضطهاد السياسي اليوم أفضع من الاضطهاد الديني في القرون المظلمة، فإذا تغلب حزب من الأحزاب الوطنية أو ساد مبدأ من المبادئ السياسية. أو انتصر فريق على فريق في الانتخاب، سد في وجه منافسه الأبواب وعذبه أشد العذاب، وما حرب أسبانيا الأهلية التي دامت مدة طويلة، وسفكت فيها دماء غزيرة، وما حرب الصين التي قامت بين الجمهوريين والشيوعيين من أهل الصين، وحرب ((كوريا)) التي قامت بين الجنوبيين والشماليين، إلا نتيجة اختلاف في العقيدة السياسية والنظريات الاقتصادية.
فرسالة العالم الإسلامي هي الدعوة إلى الله ورسوله والإيمان باليوم الآخر،