أوربا - فقبل هذا النظام التعليمي على علاته، فهو النظام السائد اليوم في أنحاء العالم الإسلامي.
وكانت نتيجة هذا النظام الطبيعية، صراعاً بين النفسية الإسلامية - إن كانت لا تزال في الشباب لم تقتلها البيئة - وبين النفسية الجديدة، وبين وجهة الأخلاق الإسلامية ووجهة الأخلاقية الأوربية، وبين الميزان القديم والجديد للأشياء وقيمتها، وكانت نتيجة هذا النظام
حديث الشك والنفاق في الطبقة المثقفة، وقلة الصبر ونهامة الحياة وترجيح العاجل على الآجل، إلى غير ذلك مما هو من طبائع المدينة الأوربية.
فإذا أراد العالم الإسلامي أن يستأنف حياته، ويتحرر من رق غيره وإذا كان يطمح إلى القيادة، فلا بد إذن من الاستقلال التعليمي، بل لابد من الزعامة العلمية وما هي بالأمر الهين، إنها تحتاج إلى تفكير عميق، وحركة التدوين والتأليف الواسعة، وخبرة إلى درجة التحقيق والنقد بعلوم العصر مع التشبع بروح الإسلام والإيمان الراسخ بأصوله وتعاليمه، إنها لمهمة تنوء بالعصبة أولي القوة، إنما هي من شأن الحكومات الإسلامية، فتنظم لذلك جمعيات، وتختار لها أساتذة بارعين في كل فن فيضعون منهاجاً تعليمياً يجمع بين محكمات الكتاب والسنة وحقائق الدين التي لا تتبدل وبين العلوم العصرية النافعة والتجربة والاختبار، ويدونون العلوم العصرية للشباب الإسلامي على أساس الإسلام وبروح الإسلام وفيها كل ما يحتاج إليه النشء الجديد، مما ينظمون به حياتهم ويحافظون به على كيانهم ويستغنون به عن الغرب ويستعدون للحرب، ويستخرجون به كنوز أرضهم وينتفعون بخيرات بلادهم، وينظمون مالية البلاد الإسلامية، ويديرون حكوماتها على تعاليم الإسلام بحيث يظهر فضل النظام الإسلامي في إدارة البلاد، وتنظيم الشئون المالية على النظم الأوربية، وتنحل مشاكل اقتصادية عجزت أوربا عن حلها.
بالاستعداد الروحي والاستعداد الصناعي والحربي والاستقلال التعليمي ينهض العالم الإسلامي، ويؤدي رسالته وينقذ العالم من الانهيار الذي يهدده. فليست القيادة بالهزل، إنما هي جد الجد، فتحتاج إلى جد واجتهاد، وكفاح وجهاد، واستعداد أي استعداد: