وكذلك لابد للعالم العربي - كالعالم الإسلامي - من الاستقلال في تجارته وماليته وصناعته وتعليمه، لا تلبس شعوبه وجماهيره إلا ما تنبته أرضه وتنسجه يده، وتستغني عن الغرب في جميع شئون حياتها، وفي كل ما تحتاج إليه من كسوة، وطعام، وبضائع، ومصنوعات، وأسلحة وجهاز حربي، وآلات وماكينات، وأدوية، فلا تكون كلاً على الغرب وعيالاً عليه في معيشتها ومتطفلة على مائدته.
إن العالم العربي لا يستطيع أن يحارب الغرب - إذا احتاج إلى ذلك ودعت إليه الظروف - وهو مدين له في ماله، عيال عليه في لباسه وبضائعه، لا يجد قلماً يوقع به على ميثاق مع الغرب، إلا الرصاص الذي أفرغ في الغرب، إن عاراً على الأمة يجري ماء الحياة في عروقها وشرايينها إلى أجسام غيرها، وأن يدرب جيوشها وكلاء الغرب وضباطه، ويدير بعض مصالح حكومتها رجاله، فلابد للعالم العربي أن يقوم هو نفسه بحجاته: تنظيم التجارة والمالية، وحركة التوريد والتصدير، والصناعة الوطنية، وتدرب الجيش، وصنع الآلات والماكينات وتربية الرجال الذين يضطلعون بجميع مهمات الدولة ووظائف الحكومة في خبرة ومهارة فنية، وأمانة ونصيحة.
تقدم مصر في ميدان التجارة والصناعة والعلم:
ولابد هنا من الاعتراف بأن مصر قد أثبتت كفايتها واستعدادها الكبير في ميدان العلم والصناعة، وتربية الرجال، ونشر الثقافة، ونقل العلوم العصرية إلى اللغة العربية، وبواسطتها إلى الأمة العربية، وعنايتها بالصناعة الوطنية، وتنظيم شئون دولتها وماليتها على أساس العلم
العصري، أما فضلها على اللغة العربية وإحياؤُها للكتب العربية، وتقدم الصحافة والطباعة وحركة النشر فيها، فمن المأثر والمفاخر التي سيسجلها التاريخ، ويردد صداها المستقبل، ويدين بفضلها العرب جميعاً.
رجاء العالم الإسلامي من العالم العربي:
والعالم العربي بمواهبه وخصائصه وحسن موقعه الجغرافي وأهميته السياسية يحسن الاضطلاع برسالة الإسلام، ويستطع أن يتقلد زعامة العالم الإسلامي، ويزاحم أوربا بعد الاستعداد الكامل، وينتصر عليها بإيمانه وقوة رسالته ونصر من الله،