ويحول العالم من الشر إلى الخير، ومن النار والدمار إلى الهدوء والسلام.
إلى قمة القبلة العلمية:
ما أعظم التطور الذي حدث في تاريخ العرب على إثر بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ونادت به سورة الإسراء وقصة المعرج في لغة صريحة بليغة وفي أسلوب مبين مشرق (١) ، وما أعظم النعمة التي أسبغها الله على العرب. نقلهم من جزيرتهم التي يتناحرون فيها إلى العالم الفسيح الذي يقودونه بناصيته، ومن الحياة القبلية المحدودة التي ضاقوا بها إلى الإنسانية الواسعة التي يشرفون عليها ويوجهونها، وأصبحوا بفضل هذا التطور العظيم الذي فاجأ العرب وفاجأ العالم يقولون بكل وضوح وشجاعة لإمبراطور المملكة الفارسية العظيمة وأركان دولته:((الله ابتعثنا لنخرج بنا من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام)) .
نعم لقد خرجوا من ضيق الدنيا أولاً إلى سعتها ثم أخرجوا الأمم من ضيق الدنيا إلى سعتها آخراً، وهل أضيق من الحياة القبلية والجنسية، وأوسع من الحياة الإنسانية الآفاق؟
وهل أضيق من الحياة التي لا يفكر فيها إلا في المادة الزائلة والحياة الفانية ولا يجاهد إلا في سبيلها من الحياة الإيمانية الروحانية التي لا نهاية لها ولا تحديد.!؟ .
لقد خرجوا من ضيق جزيرة العرب، ومن ضيق الحياة فيها، ومن ضيق التفكير في مسائلها ومصالحها، ومن ضيق التناحر على سيادتها، ومن ضيق التكالب على حطامها القليل وملكها الضئيل وعيشها الذليل، إلى عالم جديد من السيادة الروحية والخلقية والعلمية والسياسية، ليس الدانوب الفائض والنيل السعيد والفرات العذب والسند الطويل إلا سواقي حقيرة وترعاً صغيرة فيه، وليست جبال الألب والبرانس وعقاب لبنان وقمم همالايا إلا تلالاً متواضعة وسدوداً صغيرة، وليست
(١) تضم سورة الإسراء وقصة المعرج وإعلانات بأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو نبى القبيلتين وإمام المشرقين والمغربين ووارث الأنبياء قبله وإمام الأجيال بعده.