تشرق عليه أنوار الإسلام الأولى. رسم الصورة لهذا العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، من الهند والصين إلى فارس والروم، صورة المجتمع وصورة الضمير في هذه الدنيا العريضة، في الجماعات التي تظلها الديانات السماوية، كاليهودية والمسيحية، والتي تظلها الديانات الوثنية، كالهندوكية والبوذية والزرادشتية.. وما إليها..
إنها صورة جامعة تعرض رقعة العالم وتصفها وصفاً بيناً، لا يعتسف المؤلف فيه، ولا يستبد به، إنما يشرك معه الباحثين والمؤرخين من القدامى والمحدثين، ممن يدينون بغير الإسلام، فلا شبهة في أن يكونوا مغرضين له، وللدور الذي أداه في ذلك العالم القديم.
إنه يصف العالم تسيطر عليه روح الجاهلية، ويتعفن ضميره، وتأسن روحه، وتختل فيه القيم والمقاييس، ويسوده الظلم والعبودية، وتجتاحه موجة من الترف الفاجر والحرمان التاعس، وتغشاه غاشية من الكفر والضلال والظلام، على الرغم من الديانات السماوية، التي كانت فد أدركها التحريف، وسرى فيها الضعف، وفقدت سيطرتها على النفوس، واستحالت جامدة، لا حياة فها ولا روح، وبخاصة المسيحية.
... فإذا فرغ المؤلف من رسم صورة العالم بجاهليته هذه، بدأ يعرض دور الإسلام في حياة البشرية. دوره في تخليص روح البشر من الوهم والخرافة، ومن العبودية والرق، ومن الفساد والتعفن، ومن القذارة والانحلال، ودوره في تخليص المجتمع الإنساني من الظلم والطغيان، ومن التفكك والانهيار، ومن فوارق الطبقات واستبداد الحكام واستذلال الكهان، ودوره في بناء العالم على أسس من العفة والنظافة والإيجابية والبناء، والحرية والتجدد، ومن المعرفة واليقين، والثقة والإيمان. والعدالة والكرامة، ومن العمل الدائب لتنمية الحياة وترقية الحياة، وإعطاء كل ذي حق حقه في الحياة.
كل أولئك في إبان الفترة التي كانت القيادة فيها للإسلام في أي مكان، والتي كان الإسلام فيها يعمل، وهو لا يستطيع أن يعمل أن يعمل ألا أن تكون له القيادة، لأنه بطبيعته عقيدة استعلاء، ومنهج قيادة، وشرعة ابتداع لا إتباع.