ثم تجيء الفترة التي فقد الإسلام فيها الزمام، بسبب انحطاط المسلمين، وتخليهم عن القيادة التي يفرضها عليهم هذا الدين، والوصاية التي يكلفهم بها على البشرية، والتبعات التي ينوطها بهم في كل اتجاه.
وهنا يستعرض المؤلف أسباب هذا لانحطاط الروحية والمادية، ويصف ما حل بالمسلمين أنفسهم عندما تخلوا عن مبادئ دينهم، ونكصوا عن تبعاتهم، وما نزل بالعالم كله من فقدانه لهذه القيادة الراشدة، ومن انتكاسه إلى الجاهلية الأولى، ويرسم خط الانحدار الرهيب الذي ترتكس فيه الإنسانية في ذات الوقت الذي تفتح فيه آفاق العالم الباهرة. يرسم هذا الخط عن طريق التأمل الفاحص، لا بالجمل النارية والتعبيرات المجنحة. فالحقائق الواقعة، كما عرضها المؤلف غنية عن كل بهرج وكل تزويق.
ومن خلال هذا الاستعراض، يحس القارئ، بمدى الحاجة البشرية الملحة إلى تغيير القيادة الإنسانية، وردها إلى الهدى الذي انبثق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الجاهلية إلى المعرفة، ويشعر بالقيمة الكلية لوجود هذه القيادة في الأرض، وبمدى الخسارة التي حلت بالبشر جميعاً، لا بالمسلمين وحدهم في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل القريب والبعيد.
كذلك يثور في نفس لمسلم بصفة خاصة روح الندم، على ما فرّط، وروح الاعتزاز بما وُهب وروح الاستشراف إلى القيادة التي ضيَّع.
ولعله مما يلفت النظر تعبير المؤلف دائماً عن النكسة التي حاقت بالبشرية كلها منذ أن عجز المسلمون عن القيادة بكلمة " الجاهلية ".
وهو تعبير دقيق الدلالة على فهم المؤلف للفارق الأصيل بين روح الإسلام، والروح المادي الذي سيطر على العالم قبله، ويسيطر عليه اليوم بعد تخلي الإسلام عن القيادة.. إنها (الجاهلية) في طبيعتها الأصلية، فالجاهلية ليست فترة من الزمن محدودة، ولكنها طابع روحي وعقلي معين، طابع يبرز بمجرد أن تسقط القيم الأساسية للحياة البشرية، كما أرادها الله، وتحل محلها قيم مصطنعة تستند إلى