للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الأنفة وكبر النفس:

وكأن هذا الإيمان بالله رفع رأسهم عالياً وأقام صفحة عنقهم فلن تُحنى لغير الله أبداً. لا لملك جبار ولا لحبر من الأحبار ولا لرئيس ديني ولا دنيوي. وملأ قلوبهم وعيونهم بكبرياء الله تعالى وعظمته، فهانت وجوه الخلق وزخارف الدنيا ومظاهر العظمة والفخفخة، فإذا نظروا إلى الملوك وحشمتهم وما هم فيه من ترف ونعيم وزينة وزخرف، فكأنهم ينظرون إلى صور ودمى قد كسيت ملابس الإنسان.

عن أبي موسى قال: انتهينا إلى النجاشي وهو جالس في مجلسه وعمرو بن العاص عن يمينه وعمارة عن يساره والقسيسون جلوس سماطين، وقد قال له عمرو وعمارة: إنهم لا يسجدون لك، فلما انتهينا بدرنا من عنده من القسيسين والرهبان: اسجدوا للملك. فقال جعفر: لا نسجد إلا لله (١) .

الاستهانة بالزخارف والمظاهر الجوفاء:

أرسل سعد قبل القادسية ربعي بن عامر رسولاً إلى رستم قائد الجيوش الفارسية وأميرهم، فدخل عليه وقد زينوا مجلسه بالنمارق والزرابي والحرير، وأظهر اليواقيت واللآلئ الثمينة العظيمة، وعلى تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة، وقد جلس على سرير من ذهب. ودخل ربعي بثياب صفيقة وترس وفرس قصيرة ولم زل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد وأقبل عليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه، فقالوا له: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت. فقال رستم: ائذنوا له فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق عامتها. فقالوا له: ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.


(١) البداية ج ٣.

<<  <   >  >>