فأصبح الناس لا يجدون عائقاً عن الإسلام، ولا يواجهون صعوبة وعنتاً في سبيل قبول الإسلام ولا يرون للجاهلية مرجحاً ومصلحة، ويدخل الرجل في الإسلام فلا يخسر شيئاً ولا يفقد شيئاً ويجد برد اليقين وحلاوة الإيمان وعزة الإسلام ودولة قوية يعتز بها وأنصاراً يفدونه بأرواحهم وأنفسهم، ونفساً مطمئنة وثقة في الحياة بعد الموت، فصار الناس ينتقلون من معسكر الجاهلية إلى معسكر الإسلام باختيارهم، وصارت أرض الجاهلية تنتقص من أطرافها وكلمة الإسلام تعلو وظله يمتد، حتى ارتفعت الفتنة وكان الدين لله.
وكان تأثير هذا الانقلاب عظيماً جليلاً، فكان الطريق إلى الله من قبل في دولة الجاهلية وغربة الإسلام شاقاً عسيراً محفوفاً بالأخطار، فأصبح الآن سهلاً يسيراً آمناً مسلوكاً، وكان يصعب على الإنسان في الوسط الجاهلي أن يطيع الله، فصعب عليه في الوسط الإسلامي أن يعصي الله، وكانت الدعوة إلى النار بالأمس ظاهرة منصورة فأصبحت اليوم خافتة مخذولة، وكانت أسباب سخط الله وعصيانه مكشوفة موفورة فعادت نادرة مستورة، وكانت الدعوة إلى الله في أرض الله جريمة قد ترتكب سراً وخفية، فأصبحت جهراً وعلانية وحرة آمنة لا تلقى معارضة ذات بال، ولا يخاف أصحابها اضطهاداً في سبيل العقيدة وأذى في سبيل الدين الجديد:{تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} وأصبح أصحابها يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، يأمرون وينهون بمعنى الكلمة.
صارت طباع الناس وعقولهم تتغير وتتأثر بالإسلام من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون، كما تتأثر طبيعة الإنسان والنبات في فصل الربيع، وبدأت القلوب العاصية الجافة
ترق وتخشع وبدأت مبادئ الإسلام وحقائقه تتسرب إلى أعماق النفوس وتغلغل في الأحشاء، وبدأت قيمة الأشياء تتغير في عيون الناس والموازين القديمة تتحول وتخلفها الموازين الجديدة، وأصبحت الجاهلية حركة رجعية كان من الجمود والغباوة المحافظة عليها، وصار الإسلام شيئاً راقياً عصرياً كان من الظرف والكياسة الانتساب إليه والظهور بمظاهره، وكانت الأمم بل كانت الأرض