إذا عدت الأمم، بالمقاييس المادية لا شك أننا متأخرون، إذا قيست بالمقاييس المادية، يعني كل يوم نرى من هذه الأمم ما يدل على أنهم أناس جادون، يعملون لدنياهم، لكنهم مهما عملوا فإنما عملهم مبني على العلم الظاهري، {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [(٧) سورة الروم]، حتى حقيقة الدنيا التي برعوا فيما يعينهم على مجاوزة هذه الدنيا برعوا في ذلك لكن علمهم ليس بحقيقي وإنما هو ظاهري، ظاهر الحياة الدنيا، لو علموا حقيقة الدنيا لقادهم هذا العلم إلى الإسلام، لكنهم علموا ظاهر الحياة الدنيا، واخترعوا ما اخترعوا، وصنعوا ما صنعوا، لكن حقيقة الدنيا هم في غاية البعد عنها.
والعلم بالظاهر وإن نفع في وقت لكنه لا ينفع النفع المثمر المجدي، يعني هؤلاء عرفوا ظاهراً من الحياة الدنيا، وإن لم يعلموا حقيقتها، لكن لو علموا الباطن والخفي منها وحقيقة الدنيا لقادهم ذلك إلى الإسلام، وقل مثل هذا في المسلم الذي يتعبد بالجوارح الظاهرة، والقلب الذي هو الباطن والمعول عليه، لا نصيب له من هذه العبادات، فإذا قرأ القرآن لم يستفد من قراءته، إذا صلى ما نهته صلاته عن الفحشاء والمنكر، إذا صام ما ترتب على صيامه التقوى، وكذلك إذا حج أو تصدق ليس له من عباداته إلا الأمر الظاهر فقط، فيتحرك بحركات ظاهرة جوفاء، نعم مسقطة للطلب ومجزئة لا يؤمر بإعادتها، لكن الأثر المرتب عليها معدوم.