ليس هناك رابط ظاهر يدركه كل أحد، وإنما لأدنى مناسبة يذكر الخبر تحت الترجمة، يقول: اعلم أن البخاري وسع في تراجم الأبواب والمناسبة، -يأتي في كلامه شيء غريب- وسع في تراجم الأبواب والمناسبة بينها وبين الأحاديث، ومن عاداته أنه أحيانا يجعل الآية ترجمة للباب، يجعل الآية ترجمة الباب، ومنها أنه قد يجعل جزء الحديث ترجمة، ومنها أنه يأتي بالحديث الذي يسير على شرط هذا في المطبوع، لكن المخطوط فيه ليس، الذي ليس على شرطه في الترجمة، وأما من نفسه فقليلاً ما يترجم في الأبواب، يعني أن البخاري تراجمه غالبها منصوص إما بآية، أو بحديث، سواء كان على شرطه، أو على شرط غيره، سواء كان مرفوعا، أو موقوفا، وقليل منها ما يكون من تلقاء نفسه، لكن الناظر في صحيح البخاري يجد أن كثيراً من التراجم، بل أكثر التراجم من فقهه، واستنباطه من الأحاديث، ومنها أنه يأتي في باب واحد، في باب واحد تراجم مختلفة متعددة، لكن تكون هناك مناسبة بين التراجم، فيجعل واحدتها دعوى، يجعل جزء من الترجمة جملة من الترجمة دعوة، وجملة والأخرى دليلاً عليها، أو يجعل الأخرى متممة لها، ومنها أنه يأتي في مواضع مختلفة تراجم متكررة، مثل أتى بباب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ في أول الكتاب، ثم ترجم في أبواب القرآن باب نزول الوحي، في أول الكتاب باب بدء الوحي، وفي أثناء الكتاب في كتاب التفسير، أبواب القرآن باب نزول الوحي إليه -عليه الصلاة والسلام-.
قال: لكن لا يخلوا هذا التكرار من فائدة، لا يخلوا هذا التكرار من فائدة، فقال الشراح في مثل هذا الموضع: أن هاهنا لفظ البدء، وثمة لفظ النزول، -يعني في الباب الأول الذي بين أيدينا- لفظ البدء، وهناك في أبواب القرآن لفظ النزول، فاكتفوا على ذلك، لكن لا يخفى على الناظر أن هذا معارضة لفظية بالمعترض على البخاري، وليس بغور نظر، بل هو جواب بطريق سطحي، بطريق سطح النظر هكذا يقول، والتحقيق الحقيق أن المراد هنا -أي في أول الكتاب-، بيان كيفية البدء عموما؟ والمراد هنا نزول الوحي فقط، فبينهما بون بعيد، والغرض أن صنعة التراجم، والمناسبة بينها وبين البخاري وبين الأحاديث حصة البخاري فلله دره.