وأما بالنسبة لمسلم فإنه يجمعه في موضع واحد ولا يفرقه ويأتي به كاملاً، هذا مما جعل صحيح مسلم أسهل تناولا فجعل الناس يعتنون به أكثر، الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - فاق مسلم في الصحة وفي الإفادة الفقهية والاستنباط الذي هو الغاية من الرواية، فاقه في الصحة لماذا؟؛ لأنه أشد اتصالا كما يقرر أهل العلم وأنظف وأقوى رجالاً، والأحاديث المنتقدة فيه أقل من الأحاديث المنتقدة في صحيح مسلم، كما أن الرجال الرواة من صحيح مسلم ومن صحيح البخاري، الذين تناولهم بعض أهل النقد بضرب من التجريح أقل منهم في صحيح مسلم، وهذا يدل على أن صحيح البخاري أرجح وأقوى، علماً بان البخاري هو شيخ الإمام مسلم ومعول مسلم عليه، حتى قال الدارقطني:" لولاء البخاري، ما راح مسلم ولا جاء".
انتقد على الصحيحين أحاديث يسيرة انتقدها الدارقطني وغيره، لكن أجاب عنها أهل العلم وأن الراجح والصواب مع الإمامين ضد الإمام الدارقطني، نعم أحاديثهما متفاوتة منها ما يقطع بثبوته، ومنها ما هو صحيح غير قابل للنظر، ومنها ما تكلم فيه وهذا شي يسير، ولذا قال الحافظ بن الصلاح - رحمه الله - في مقدمته:" وجميع أحاديث الصحيحين مقطوع بها سوى أحرف يسيرة، تكلم فيها بعض الحفاظ " صحيح البخاري له، الإمام له طريقة دقيقة في الاستنباط، مثل ما ذكرنا أنه يقطع الحديث حسب الفوائد التي تضمنها هذا الحديث، فيورد الحديث الواحد في عشرين موضع، ويستنبط منه عشرين حكماً، وقد يزيد وقد ينقص، قد يستدل البخاري بلفظ من الحديث يراه الناظر لا دلالة في اللفظ على ما ترجم به، لكن البخاري يؤمي إلى رواية أخرى فيها الدلالة على ما أراده من الترجمة، وهذا لا شك أنه من دقة نظره وشفوفه.
وأحيانا يعمد عن الدليل الظاهر الواضح إلى الدليل الخفي الغامق، كل هذا من أجل أن يشحذ همة طالب العلم للتتبع والاستقراء والاستقصاء للروايات، وقد يترجم بترجمة واضحة قد يقول القارئ من طلاب العلم لا داعي لها.
[باب "قول الرجل ما صلينا"]
فقال عمر: ما صليت العصر، فقال النبي - عليه الصلاة والسلام - وأنا والله ما صليتها.