ففي الدرس السابق عرفنا الخلاف بين الجمهور والحنفية في مسائل من العلم تتعلق بالوسائل كالوضوء مثلاً والحنفية لا يشترطون لها النية وهي شرط عند الجمهور، والمناقشات التي عرضت في الدرس السابق ومبناها عند كل فريق على أصوله وقواعده -قواعد مذهبه- بحيث لا يمكن أن يقتنع فريق بقول الآخر؛ لأنهم يبنون أقوالهم على قواعد مذاهبهم، لا على قواعد متفق عليها، والذي يهمنا في هذه المسألة القول الراجح يعني هل الوسائل يشترط لها أو لصحتها النية كما يشترط للغايات من حيث العموم وعلى سبيل الخصوص الوضوء للصلاة؟ لأننا إذا نظرنا إلى قول الحنفية لا نجده مطرداً، فلا يشترطون النية في الوضوء، ويشترطونها في التيمم، يعني هل التيمم غاية والوضوء وسيلة أو العكس؟ أو هما من باب واحد والتفريق بينهما تفريق بين المتماثلات؟ أو هما من باب أو من أبواب مختلفة ومتفرقة فالجمع بينهما كما يقول الجمهور: جمع بين المختلفات؟ لا يختلفون في كونهما من الوسائل، الوضوء والتيمم بدله، والبدل عند عامة أهل العلم له حكم المبدل، فإما أن تشترط النية لهما أو لا تشترط لهما، وسيأتي قول من يقول: إن النية لا تشترط حتى للتيمم، ولعل الملحظ عند الحنفية في التفريق بين الوضوء وبين التيمم ما في الوضوء من قوة، والتيمم فيه ضعف، فلا بد أن يرفع هذا الضعف بتحديد القصد والنية، بينما الوضوء متحدد لهذه العبادات برفع الحدث المانع منها، وإن كان هذا الكلام لا يقنع الجمهور ولا من يقول بقولهم، وقول الجمهور هو المرجح؛ لأن الوضوء وإن كان وسيلة من جهة إلا أنه غاية ومقصد شرعي تحط به الذنوب والخطايا ويتقرب به إلى الله -جل وعلا-، هو بذاته غاية، ومكث الإنسان على طهارة مطلوب شرعاً، تجديد الوضوء ولو لم يحدث مطلوب شرعاً، النوم على وضوء مطلوب، الأكل بوضوء بالنسبة للجنب مطلوب فهو غاية من هذه الحيثية، رتبت عليه الأجور فهو غاية، ولا بد من التفريق بين الوسائل لا بد من التفريق بين الوسائل لينفع هذا التفريق في هذا الباب في باب النيات، وفي باب دخول المحدثات يعني هل نقول: إن الوسائل توقيفية بإطلاق أو نقول: ليست توقيفية بإطلاق يدخلها الاجتهاد ويدخلها التجديد؟ الآن وجد آلات توضئ