الإشكال في مقابلة الكذب بالجنون، هذا الإشكال تمسك به من يقول: إن هناك واسطة في الكلام بين الصدق والكذب، وأن هناك كلام لا صدق ولا كذب، وهذا قول المعتزلة، لماذا؟ لأنه قوبل الكذب بالجنون، أو بكلام المجنون، فدل على أن كلام المجنون ليس بكذب، وإذا خالف الواقع هل نستطيع أن نقول: إنه صدق؟ لا، يعني هل نستطيع أن نثبت واسطة بين الصدق والكذب من هذه الآية {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ} [(٨) سورة سبأ]؟ أو نقول: إن الكلام غير المقصود لا يطلق عليه كلام اصطلاحاً فيخرج كلام المجنون والهاذي والناسي والغلطان والسكران وغيرهم؟ نقول: هذا لا يدخل في مسمى الكلام، نعم؟ نية الكلام الآن في هذه الترجمة ترفع الأحكام المرتبة على الكلام من غير نية وغير قصد، وكل ما ذكر لا نية لهم ولا قصد لهم، فالأحكام مرتفعة عنهم، لكن كلامهم يسمى كلام أو لا يسمى كلام؟ نعم، يعني إذا رجعنا إلى تعريف الكلام عند أهل العلم يعني نبدأ بما يبتدئ به المبتدئون من كتب النحو، في الأجرومية يعرف الكلام بأنه هو اللفظ المركب نعم المفيد بالوضع، هو الكلام المركب المفيد بالوضع، قالوا: الوضع اختلفوا في المراد بالوضع، هل هو الوضع اللغوي العربي فيخرج كلام الأعاجم فلا يسمى كلام عندهم أو أن المراد بالوضع بالقصد فيخرج بذلك كلام الناسي والساهي والمجنون الذي يهذي ولا يعرف ما يقول؟ لا شك أن من افترى على الله الكذب هذا عنده قصد ويؤاخذ به، ومن به جنة لم يقصد، فالمؤاخذة مرتفعة، لكن يبقى إذا كان كلامه مطابقاً للواقع فهو صدق، وإن كان كلامه مخالفاً للواقع فهو كذب، فليست مقابلة الكذب بالجنة أو بمن به جنة، مقابلة من افترى على الله الكذب بمن به جنة ليست من باب المطابقة في الصدق والكذب ومطابقة الواقع، ومخالفة الواقع، إنما هي من باب المؤاخذة، هذا يؤاخذ وهذا لا يؤاخذ، وكلامه مع عدم مؤاخذته فإن طابق الواقع فهو صدق، وإن خالف الواقع فهو كذب، وبهذا يستقيم كلام أهل السنة وهو أنه لا واسطة بين الصدق والكذب؛ لأن غير العاقل المختار لا نية له فيما يقول أو يفعل، وكذلك الغالط والناسي والذي يكره على الشيء، وحديث الأعمال بهذا اللفظ وصله المؤلف في كتاب