كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الملوك كما سيأتي في قصة هرقل، وفي كتاب صلح الحديبية، ابتدأت بالبسملة، وكثير من أهل العلم يكتب بعد البسملة الحمد له والشهادة كما صنع الإمام مسلم، وبعضهم يكتفي بالبسملة.
أما بالنسبة للإمام البخاري فلأن ما جاء من أحاديث بألفاظ ((كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله))، هذا الحديث بجميع ألفاظه وطرقه ليس بصحيح على شرط البخاري، ولذا لم يلتزم به، بل ضعفه جمهور أهل العلم بجميع طرقه وألفاظه، وإن كان ابن الصلاح والنووي قد حسنا لفظ الحمد من هذه الألفاظ، ويبقى أنه لا يصح ولا يثبت على شرط الإمام البخاري.
"الحمد والشهادة" إنما يحتاج إليهما في الخطب دون الرسائل، كما هو ظاهر مما يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ففي خطبه يفتتحها بالحمد ويتشهد، وأما بالنسبة لرسائله فيقتصر فيها على البسملة، ولعل الإمام البخاري أجرى الكتاب مُجرى الرسائل إلى أهل العلم؛ لينتفعوا به تعلماً وتعليما، وقد نفع الله به نفعاً عظيما، فلا يوجد كتاب أنفع من هذا الكتاب بعد كتاب الله -جل وعلا-، ولا يوجد على وجه الأرض كتاب أصح من هذا الكتاب بعد كتاب الله تعالى.
وأما ما يذكر عن الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- أنه قال:"ما على وجه الأرض كتاب أصح من كتاب مالك" فكلامه صحيح في وقته قبل وجود الصحيح، وقول أبي علي النيسابوري:"ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم" فهذا معروف عنه لكنه لا يقتضي الأصحية على كتاب البخاري، وإنما غاية ما فيه أن يكون مساوياً للبخاري، وقد قيل بهذا أنهما على حد سواء، والمقرر عند عامة أهل العلم وجماهيرهم أن صحيح البخاري أصح وأعظم وأكثر فوائد؛ لما تميز به من نظافة في الأسانيد، وتحري في المتون، ودقة في الاستنباط.