يقول الكرماني: ذكر البخاري الآية الكريمة؛ لأن عادته أن يستدل للترجمة بما وقع له من قرآن أو سنة مسندة وغيرها، يعني مسندة وغيرها، -يعني مرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو موقوفة، أو مقطوعة على الصحابة، أو التابعين على كل حال البخاري يورد هذا، وهذا من عاداته، وسيمر بنا كثير من هذا.
وأراد أن الوحي سنة الله تعالى في أنبيائه {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ}[سورة النساء: ١٦٣] هذه سنة الله -جل وعلا- إلى أنبيائه التي لا تتغير ولا تتبدل في أنبيائه، وقال ابن بطال: معنى هذه الآية، أن الله تعالى أوحى إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- كما أوحى إلى سائر النبيين، كما أوحى إلى سائر الأنبياء، وهي رسالة وحي، وهي رسالة، رسالة -يعني منطوقة- بواسطة جبريل موحاة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا وحي إلهام، لا وحي إلهام؛ لأنه قد يقول قائل مثلاً صحيح هذا وحي، لكن ما يلزم منه اللفظ؛ لأن من الوحي الإلهام {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلَِ}[سورة النحل: ٦٨]-يعني ألهمها-، والمراد بهذا وحي رسالة بواسطة جبريل -عليه السلام- لا وحي إلهام؛ لأن الوحي ينقسم إلى وجوه متعددة كما تقدم في تعريفه اللغوي.
وقال الكرماني: إنما ذكر الله -جل وعلا- نوحا على سبيل التخصيص، وعطف عليه النبيين، ولم يذكر آدم، قال: لأنه أول نبي مشرّع عند بعض العلماء، أو لأنه أول نبي عوقب قومه خصصه به؛ تهديدا لقوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني التنصيص على نوح فيما يقوله الكرماني لأمرين:
أولاً: لأنه أول نبي مشرع، أو لأنه أول نبي عوقب قومه فنص عليه؛ ليستحضر وتحضر قصته مع قومه وما وقع لهم بسبب دعوته، فلا شك أن مثل هذا يورث شيئا من التهديد لهؤلاء القوم المنزل عليهم.
يقول العيني: وفيهما نظر، -يعني في الاحتمالين الذين ذكرهما العيني نظر-
أما الأول: فلأن أول مشرع هو آدم -عليه السلام-، أول مشرع هو آدم -عليه السلام- فإنه أول نبي أرسل إلى بنيه، وشرع لهم الشرائع.
وأما الثاني: فلأن شيت -عليه السلام- هو أول من عذب قومه بالقتل.