للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سلمنا أن السجدة عبارة عن وضع الجبهة على الأرض، لكن لا نسلم أن هذا غاية التواضع، لأن هذا قضية عرفية، والقضايا العرفية يجوز أن تختلف باختلاف الأزمنة، فلعل العرف في ذلك الوقت أن من سلم على غيره وضع جبهته على الأرض، وتسليم الكامل على غيره أمر معتاد، والجواب عن الأسئلة الثلاثة: أن ذلك السجود لو لم يكن دالا على زيادة منصب المسجود على الساجد، لما قال إبليس: (أَرَأَيتُكَ هَذا الَّذِي كَرَمتَ عَلىَّ) " الإسراء: ٦٢ " فإنه لم يوجد شيء آخر يصرف هذا الكلام إليه سوى هذا السجود، فدل ذلك على ان ذلك السجود اقتضى ترجيح منصب المسجود له على الساجد.

ب - الحجة الثانية: أن آدم عليه السلام كان أعلم من الملائكة، والأعلم أفضل، بيان الأول قوله تعالى (وَعَلَمَ آَدَمَ الأَسمَاءَ كُلَها) إلى قوله (قَالوا سُبحانَكَ لا عِلمَ لَنَا إِلاّ ما عَلَمَتَنا إِنّكَ أَنتَ العَلِيمُ الحَكِيم) " البقرة: ٣١ - ٣٢ " وبيان الثاني (هَل يَستَوي الَّذَينَ يَعلَمَونَ وَالَّذَينَ لا يَعلَمُون) " الزمر: ٩.

ج - الحجة الثالثة: أن طاعة البشر أشق والأشق أفضل، بيان الأول من وجوه: الأول: أ، الشهوة، والحرص، والغضب، والهوى، من أعظم الموانع عن الطاعات، وهذه الصفات موجودة في البشر ومفقودة في الملائكة، والفعل مع المانع أشق منه مع غير المانع.

الثاني: أن تكاليف الملائكة مبنية على النصوص قال تعالى: (لا يَسبِقُونَهُ بِالقَولِ) " الأنبياء: ٢٧ " وتكاليف الشريعة بعضها مبنية على النصوص وبعضها على الإستنباط، قال تعالى: (فاعتَبِرُوا يا أُولِي الأَبصار) " الحشر: ٢ وقال: (لَعَلِمَهُ الَّذَينَ يَسَتَنبِطُونَهُ مِنهُم) " النساء ٨٣ " والتمسك بالاجتهاد والإستنباط في معرفة الشيء أشق من التمسك بالنص.

الثالث: أن الإنسان مبتلى بوسوسة الشيطان، وهذه الآفة غير حاصلة للملائكة. الرابع: أن شبهات البشر أكثر، وذلك لأن من جملة الشبهات القوية ربط الحوادث الأرضية بالاتصالات الفلكية، والمناسبات الكوكبية،

<<  <   >  >>