الثوري، عن منصور، عن إبراهيم قال: ما كانوا يأخذون من حديث أبي هريرة إلا ما كان حديث جنة أو نار.
قلت -أي الذهبي: هذا لا شيء، بل احتج المسلمون قديمًا وحديثًا بحديثه لحفظه، وجلالته، وإتقانه، وفقهه، وناهيك أن مثل ابن عباس يتأدب معه، ويقول: أفت يا أبا هريرة. وانظر إلى هذا العلامة البارع كيف يحسب عمر أحد الصحابة الأعلام، فقال "٤/ ٢٣٠":
كان عمرو بن العاص أكبر من عمر بنحو خمس سنين، كان يقول: أذكر الليلة التي ولد فيها عمر، وقد عاش بعد عمر عشرين عامًا، فينتج هذا أن مجموع عمره بضع وثمانون سنة، ما بلغ التسعين ﵁.
وتراه يفسر سبب النهي عن كتابة غير القرآن ثم الإذن في الكتابة بأوجز عبارة، وأخصر بيان بأسلوب العالم الحاذق؛ قال -طيب الله ثرى قبره وأظله بسحائب مغفرته- في كتابه العظيم "السير""٤/ ٢٣٢ - ٢٣٣":
كتب عبد الله بن عمرو بن العاص بإذن النبي ﷺ وترخيصه له في الكتابة بعد كراهيته للصحابة أن يكتبوا عنه سوى القرآن وسوغ ذلك ﷺ ثم انعقد الإجماع بعد اختلاف الصحابة ﵁ على الجواز والاستحباب لتقييد العلم بالكتابة.
والظاهر أن النهي كان أولا لتتوفر هممهم على القرآن، وحده، وليمتاز القرآن بالكتابة عما سواه من السنن النبوية، فيؤمن اللبس، فلما زال المحذور واللبس، ووضح أن القرآن لا يشتبه بكلام الناس، أذن في كتابة العلم والله أعلم.
وقال في "السير""٤/ ٢٣٥ - ٢٣٦":
صحَّ أن رسول الله ﷺ نازل عبد الله بن عمرو بن العاص في قراءة القرآن إلى ثلاث ليال، ونهاهُ أن يقرأهُ في أقل من ثلاث، وهذا كان في الذي نزل من القرآن، ثم بعد هذا القول نزل ما بقي من القرآن. فأقل مراتب النهي أن تكره تلاوة القرآن كله في أقل من ثلاث، فما فقه ولا تدبر من تلا في أقل من ذلك. ولو تلا في أسبوع، ولازم ذلك. لكان عملا فاضلا، فالدين اليسر، فوالله إن ترتيل سبع القرآن في تهجد قيام الليل مع المحافظة على النوافل الراتبة، والضحى، وتحية المسجد، مع الأذكار المأثورة الثابتة، والقول عند النوم واليقظة، ودُبُر المكتوبة والسحر، مع النظر في العلم النافع والاشتغال به مخلصًا لله، مع الأمر