[أولا: نشأة الذهبي وبيئته السياسية والدينية والعلمية]
بعد سقوط الشام في قبضة هولاكو التتري، وخيانة ملوك الأيوبيين بمعاونتهم للتتار، كان ذلك فصل الختام لدولة الأيوبيين، وإعلانا لتنازلهم عن حقوقهم في الملك بعد أن تقاعسوا عن حماية ذلك الملك، وصار منطق الأحداث يحتم أن تزول دولة بني أيوب ليرثهم في ملكهم إما التتار وإما المماليك، حسبما تقرر المعركة المنتظرة بين هاتين القوتين.
وفي الوقت الذي أثبتت الأحداث ضعف الأيوبيين وعجزهم عن حماية المسلمين في بلاد الشام من خطر التتار؛ إذ بالمماليك يظهرون على المسرح لينزلوا بالتتار ضربة كبرى في موقعة عين جالوت سنة "١٢٦٠ م"، وبذلك ظهر المماليك في صورة القوى الكبرى في الشرق التي استطاعت أن تحمي كيان أهل مصر والشام من ذلك الخطر الوثني الرهيب.
ولا شك في أن فشل الأيوبيين في صد خطر التتار، ونجاح المماليك في القضاء على ذلك الخطر، جاء بمثابة فصل الخطاب بين المماليك والأيوبيين، وخاتمة لحركة التنافس بين هاتين القوتين على مسرح الشام، بعد أن صار من الواضح أن قوة الأيوبيين المتداعية لن تستطيع بحال الصمود في وجه قوة التتار.
وكان أن استطاعت جيوش المماليك بعد عين جالوت إجلاء التتار عن دمشق، وحماة، وحلب ومطاردتهم حتى أطراف بلاد الشام. ومعنى ذلك أن نفوذ المماليك امتد إلى بلاد الشام فجأة بعد عين جالوت.
وبعد أن استقر للماليك الأوضاع في مصر والشام حرصوا على أن يظهروا أمام أهل مصر والشام في صورة حماة المسلمين وزعمائهم في حركة الجهاد ضد الصليبيين. ولم يلبث سلاطين المماليك أن استأنفوا سياسة الأيوبيين بحيث أنه لم يكد يمضي على قيام دولة المماليك نحوا من أربعين سنة حتى تم طرد الصليبيين نهائيا من بلاد الشام، وبذلك أصبحت لا توجد قوة تهيمن على بلاد الشام غير قوة المماليك.
وقسم بلاد الشام من الناحية الإدارية إلى ستة أقسام تسمى النيابات تخضع للحكومة المركزية في القاهرة. وهذه النيابات هي نيابة دمشق، ونيابة حلب، ونيابة طرابلس، ونيابة حماة، ونيابة صفد، ونيابة الكرك. وقد كان هذا التقسيم ضروريا؛ لأنه يتفق مع طبيعة بلاد الشام الجغرافية.