الكبير، الرئيس المعظَّم الشريف، أبو عبد الله محمد بن الحسن بن القاسم بن الحسن العلوي الدَّيْلَمي المولد.
ولد سنه أربع وثلاث مائة، وحجَّ في سنة بضع وثلاثين.
برع في الراي على الإمام أبي الحسن الكرخي، وأخذ علم الكلام عن حسين بن علي البصري، وأفتى ودرَّس، وولي نقابة الطالبين في دولة بني بويه، فعَدَلَ وحُمِدَ، وكان معز الدولة يبالغ في تعظيمه وتقبيل يده؛ لعبادته وهيبته، وكان فيه تشيع بلا غُلُوّ.
قال أبو علي التنوخي: حدثنا أبو الحسن بن الأزرق قال: كنت بحضرة الإمام أبي عبد الله بن الداعي، فسأله أبو الحسن المعتزلي عمَّا يقوله في طلحة والزبير، فقال: أعتقد أنهما من أهل الجنة، قال: ما الحجة؟ قال: قد رويت توبتهما، والذي هو عمدتي أنَّ الله بشرهما بالجنة، قال: فما تنكر على من زعم أنه ﵇ قال: إنهما من أهل الجنة، ومقالته:"فلو ماتا لكانا في الجنة" فلمَّا أحدثا زال ذلك، قال: هذا لا يلزم، وذلك أنَّ نقل المسلمين أنَّ بشارة النبي ﷺ سبقت لهما، فوجب أن تكون موافاتهما القيامة على عمل يوجب لهما الجنة، وإلّا لم يكن ذلك بشارة، فدعا له المعتزلي واستحسن ذلك، ثم قال: ومحال أن يعتقد هذا فيهما، ولا يعتقد مثله في أبي بكر وعمر؛ إذ البشارة للعشرة.
قال أبو علي التنوخي: رأيت في مجلس أبي عبد الله وقد جاءه رجل بفتوى فيمَنْ حلف فطَّلق امراته ثلاثًا معًا، فقال له: تريد أن أفتيك بما عندي، وعند أهل البيت، أو بما يحكيه غيرنا عن أهل البيت، فقال: أريد الجميع، قال: أمَّا عندي وعندهم فقد بانت، ولا تحلّ لك حتى تنكح زوجًا غيرك.
قال التنوخي: ولم يزل أبو عبد الله ببغداد، وبايعه جماعة على الأمامة، فلم يقدر على الخروج، فلمَّا كان في سنة (٣٥٣) سار معز الدولة إلى الموصل لحرب ابن حمدان، فوجد أبو عبد الله فرصة، فركب يومًا إلى عز الدولة، فخوطب في مجلسه بسبب خلاف بين شريفين خطابًا ظاهرًا استقصاءً لفعله، فتألَّم وخرج مغضبًا، ثم أصلح أمره، ورتب قومًا بخيل خارج بغداد، وأظهر أنه عليل، وحجب عنه الناس، ثم تسَحَّبَ خفية بابنه الكبير، وعليه جبة صوف، وفي صدره مصحف وسيف، فلحق بهوسم (١) من بلاد الديلم، فأطاعته الديلم، وكان أعجمي اللسان، وأمه منهم، وتلقَّب بالمهدي، وكانت أعلامه من حرير أبيض، فيها: لا إله إلَّا الله محمد رسول الله، وأذنابها خضر، فأقام العدل، وتقشَّف، وقنع بالقوت، وقيل: إنه قال لقواده: أنا على ما ترون، فمتى غيِّرت أو ادَّخرت درهمًا، فأنتم في حِلٍّ من بيعتي، وكان يَعِظُ ويعلمهم، ويحث على الجهاد، ويكتب إلى الأطراف ليبايعوه، وكاتب ركن الدولة ومعز الدولة في ذلك، فأجابه ركن الدولة بالإمامة، واعتذر من ترك نصرته، ولم يتلقب بإمرة المؤمنين، بل بالإمام المهدي.
قلت: كان يمتنع من الترحّم على معاوية ﵁، ولا يشتم الصحابة.
(١) هي من نواحي بلاد الجبل خلف طبرستان والديلم. قاله ياقوت الحموي في "معجم البلدان" "٥/ ٤٢٠".