٢٨٩٧ - البربهاري (١):
شيخ الحنابلة القدوة الإمام، أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري، الفقيه.
كان قوالًا بالحق، داعية إلى الأثر، لا يخاف في الله لومة لائم.
صحب المروذي، وصحب سهل بن عبد الله التستري.
فقيل: إن الأشعري لما قدم بغداد جاء إلى أبي محمد البربهاري، فجعل يقول: رددت على الجبائي، رددت على المجوس، وعلى النصارى. فقال أبو محمد: لا أدري ما تقول، ولا نعرف إلَّا ما قاله الإمام أحمد. فخرج وصنف "الإبانة" فلم يقبل منه.
ومن عبارة الشيخ البربهاري، قال: احذر صغار المحدثات من الأمور، فإن صغار البدع، تعود كبارًا، فالكلام في الرب ﷿ محدث وبدعة وضلالة، فلا نتكلم فيه إلَّا بما وصف به نفسه، ولا نقول في صفاته: لم؟ ولا كيف؟ والقرآن كلام الله، وتنزيله ونوره ليس مخلوقًا، والمراء فيه كفر.
قال ابن بطة: سمعت البربهاري يقول: المجالسة للمناصحة فتح باب الفائدة، والمجالسة للمناظرة غلق باب الفائدة.
وسمعته يقول لما أخذ الحجاج: يا قوم إن كان يحتاج إلى معونة مائة ألف دينار، ومائة ألف دينار، ومائة ألف دينار -خمس مرات- عاونته. ثم قال ابن بطة: لو أرادها لحصلها من الناس.
قال أبو الحسين بن الفراء: كان للبربهاري مجاهدات ومقامات في الدين، وكان المخالفون يغلظون قلب السلطان عليه. ففي سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة أرادوا حبسه، فاختفى. وأخذ كبار أصحابه، وحملوا إلى البصرة. فعاقب الله الوزير ابن مقلة، وأعاد الله البربهاري إلى حشمته، وزادت، وكثر أصحابه. فبلغنا أنه اجتاز بالجانب الغربي، فعطس فشمته أصحابه، فارتفعت ضجتهم، حتى سمعها الخليفة، فأخبر بالحال، فاستهولها، ثم لم تزل المبتدعة توحش قلب الراضي، حتى نودي في بغداد: لا يجتمع اثنان من أصحاب البربهاري، فاختفى، وتوفي مستترًا في رجب سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة، فدفن بدار أخت توزون فقيل: إنه لما كفن، وعنده، الخادم، صلى عليه وحده، فنظرت هي من الروشن، فرأت البيت ملآن رجالًا في ثياب بيض، يصلون عليه، فخافت وطلبت الخادم، فحلف أن الباب لم يفتح.
وقيل: إنه ترك ميراث أبيه تورعًا، وكان سبعين ألفًا.
قال ابن النجار: روى عنه: أبو بكر محمد بن محمد بن عثمان، وابن بطة، وأبو الحسين بن سمعون فروي عن ابن سمعون، أنه سمع البربهاري يقول: رأيت بالشام راهبًا في صومعة حوله رهبان يتمسحون بالصومعة، فقلت لحدث منهم: بأي شيء أعطي هذا؟ قال: سبحان الله متى رأيت الله يعطي شيئًا على شيء؟ قلت: هذا يحتاج إلى إيضاح، فقد يعطي الله عبده بلا شيء، وقد يعطيه على شيء، لكن الشيء الذي يعطيه الله عبده، ثم يثيبه عليه هو منه أيضًا. قال -تعالى: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ [الأعراف: ٤٣].
وفي "تاريخ محمد بن مهدي" أن في سنة ثلاث وعشرين أوقع بأصحاب البربهاري فاستتر، وتتبع أصحابه ونهبت منازلهم، وعاش سبعًا وسبعين سنة، وكان في آخر عمره قد تزوج بجارية.
(١) ترجمته في المنتظم لابن الجوزي "٦/ ٣٢٣"، والعبر "٢/ ٢١٦"، وشذرات الذهب لابن العماد "٢/ ٣١٩".