الأمير القاضي، أبو محمد عبيد الله بن صليعة بن قاضي جبلة، كانت جبلة لصاحب طرابلس ابن عمار، فتعانى ابن صليعة- ويقال: ابن صليحة- الفروسية، وخاف منه ابن عمار، فعصى بجبلة وتملكها، وحصنها إلى الغاية، وخطب لبني العباس، ثم حاصره الفرنج، فأرجف بمجيء جيش بركياروق، فترحلوا عنه، ثم نازلوه، فشنع بمجيء المصريين، ثم قرر مع رعيته النصارى بأن يناصحوا الفرنج، ويواعدوهم إلى برجٍ، فانتدب من الفرنج من شجعانهم ثلاث مائة، فطالعهم النصارى في حبال، وكلما طلع واحد، قتله ابن صليحة حتى أباد الثلاث مائة، ثم صفف رؤوسهم على الشرفات، ثم حاصروه، ودكوا برجًا، فأصبح قد بناه في الليل. وكان يبرز في فوارسه، ويحمل على الفرنج، فطمعوا فيه مرة، واستجرهم إلى السور، فخرج إليهم المقاتلة، وأحاطوا بهم، فترحلوا.
ثم إنه علم أن الفرنج لا يفترون، فقدم إلى دمشق، وبذل لصاحبها طغتكين جبلة بذخائرها، فبعث ولده فتسلمها.
وذهب ابن صليحة إلى بغداد، فخرج عليه عسكر فنهبوه، فرد إلى دمشق، فأكرمه طغتكين وأنزله، ثم إنه اشترى حصن بلاطنس من ابن منقذ، فتحول إليه بأمواله، وترك بجبلة من الذخائر شيئًا كثيرًا.
ثم إنه أخذها ابن عمار من ولد طغتكين، ولم أعرف وفاة ابن صليحة.