السلطان الكبير، الملقب بأمير المؤمنين المنصور، أبو يوسف، يعقوب ابن السلطان يوسف ابن السلطان عبد المؤمن بن علي، القيسي، الكومي، المغربي، المراكشي، الظاهري، وأمه أمة رومية اسمها سحر. عقدوا له بالأمر سنة ثمانين وخمس مائة عند مهلك أبيه، فكان سنه يومئذ ثنتين وثلاثين سنةً.
وكان تام القامة، أسمر، صافيًا، جميل الصورة، أعين، أفوه، أقنى، أكحل، سمينًا، مستدير اللحية، جهوري الصوت، جزل العبارة، صادق اللهجة، فارسًا، شجاعًا، قوي الفراسة، خبيرًا بالأمور، خليقًا للإمارة، ينطوي على دين وخير وتأله ورزانة.
عمل الوزارة لأبيه، وخبر الخير والشر، وكشف أحوال الدواوين.
وزر له عمر بن أبي زيد، ثم أبو بكر بن عبد الله بن الشيخ عمر إينتي، ثم ابن عم هذا محمد الذي تزهد، وأختفى، ثم أبو زيد الهنتاني، وزير ولده من بعده. وكتب له السر ابن محشوة، ثم ابن عياش الأديب. وقضى له ابن مضاء، ثم الوهراني، ثم أبو القاسم بن بقي.
ولما تملك، كان حوله منافسون له من عمومته وإخوته، ثم تحول إلى سلا، وبها تمت بيعته، وأرضى آله بالعطاء، وبنى مدينةً تلي مراكش على البحر، فما عتم أن خرج عليه علي ابن غانية الملثم، فأخذ بجاية، وخطب للناصر العباسي، فكان الخطيب بذلك عبد الحق مصنف "الأحكام"، ولولا حضور أجله، لأهلكه المنصور.
ثم تملك ابن غانية قلعة حماد، فسار المنصور، واسترد بجاية، وجهز جيشه، فالتقاهم ابن غانية فمزقهم، فسار المنصور بنفسه، فكسر ابن غانية، وذهب مثخنًا بالجراح، فمات في خيمة أعرابية، وقدم جيشه عليهم أخاه يحيى، فانحاز بهم إلى الصحراء مع العرب، وجرت له حروب طويلة، واسترد المنصور قفصة، وقتل في أهلها، فأسرف، ثم قتل عميه سليمان وعمر صبرًا، ثم ندم، وتزهد، وتقشف، وجالس الصلحاء والمحدثين، ومال إلى الظاهر، وأعرض عن المالكية، وأحرق ما لا يحصى من كتب الفروع.
قال عبد الواحد بن علي: كنت بفاس، فشهدت الأحمال يؤتى بها، فتحرق، وتهدد على الاشتغال بالفروع، وأمر الحفاظ بجمع كتاب في الصلاة من "الكتب الخمسة"، و"الموطأ"، و"مسند ابن أبي شيبة"، و"مسند البزار"، و"سنن الدارقطني"، و"سنن البيهقي"، كما جمع ابن تومرت في الطهارة. ثم كان يملي ذلك بنفسه على كبار دولته، وحفظ ذلك خلق، فكان لمن يحفظه عطاء وخلعة. إلى أن قال: وكان قصده محو مذهب مالك من البلاد، وحمل الناس على الظاهر، وهذا المقصد بعينه كان مقصد أبيه وجده، فلم يظهراه، فأخبرني غير واحد أن ابن الجد أخبرهم قال: دخلت على أمير المؤمنين يوسف، فوجدت بين يديه كتاب ابن يونس، فقال: أنا أنظر في هذه الآراء التي أحدثت في الدين، أرأيت المسألة فيها أقوال، ففي أيها الحق? وأيها يجب أن يأخذ به المقلد? فافتتحت أبين له، فقطع كلامي، وقال: ليس إلَّا هذا، وأشار إلى المصحف، أو هذا، وأشار إلى سنن أبي داود، أو هذا، وأشار إلى السيف.
قال يعقوب: يا معشر الموحدين، أنتم قبائل، فمن نابه أمر، فزع إلى قبيلته، وهؤلاء -يعني طلبة العلم- لا قبيل لهم إلَّا أنا، قال: فعظموا عند الموحدين.
(١) ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "٧/ ترجمة ٨٢٩".