الخليفة أبو منصور محمد ابن المعتضد بالله أحمد ابن الموفق طلحة بن المتوكل.
استخلف سنة عشرين وثلاث مائة وقت مصرع أخيه المقتدر.
وكان أسمر مربوعًا أصهب الشعر، طويل الأنف، فيه شر وجبروت وطيش.
وقد كان المقتدر خلع في سنة سبع عشرة وثلاث مائة، فبايعوا القاهر هذا، وحكم ثم تعصب أصحاب المقتدر له، وأعيد بعد قتل جماعة، منهم: أبو الهيجاء بن حمدان، وعفا المقتدر عن أخيه، وحضر بين يديه باكيًا. فقال: يا أخي، أنت لا ذنب لك، ثم بايعوه بعد المقتدر، فصادر حاشية أخيه وعذبهم، وضرب أم المقتدر بيده، وهي عليلة. ثم ماتت معلقة بحبل، وعذب أم موسى القهرمانة، وبالغ في الإساءة، فنفرت منه القلوب، وطلب ابن مقلة من الأهواز واستوزره، وكان قد نفي.
ولم يكن القاهر متمكنًا من الأمور، وحكم عليه علي بن بليق الرافضي الذي عزم على سب معاوية ﵁ على المنابر. فارتجت العراق، وقبض على شيخ الحنابلة البربهاري، ثم قوي القاهر ونهب دور مخالفيه، وطين على ولد أخيه المكتفي بين حيطين، وضرب ابن بليق وسجنه، ثم أمر بذبحه، وبذبح أبيه، وذبح بعدهما مؤنسًا الكبير ويمنًا وابن زيرك. وبذل للجند العطاء، وعظم شأنه، ونادى بتحريم الغناء والخمر، وكسر الملاهي، وهو مع ذلك يشرب المطبوخ والسلاف، ويسكر ويسمع القينات. واستوزر غير واحد، وقتل أبا السرايا بن حمدان، وإسحاق النوبختي ألقاهما في بئر، وطمت لكونهما زايداه في جارية قبل الخلافة. وبقي ابن مقلة في اختفائه يراسل الجند ويشغبهم على القاهر، ويخرج متنكرًا في زي عجمي، وفي زي شحاذ، وأعطى منجمًا ذهبًا ليقول للقواد: عليكم قطع من القاهر، ويعطي دنانير لمعبري الأحلام، فإذا قص سيما منامًا خوفوه من القاهر جدًا. وكان رأس الساجية فأضمر الشر، فانتدب طائفة لاغتياله وبكروا، وكان نائمًا به سكر، وهرب وزيره وحاجبه، فهجموا عليه بالسيوف، فهرب إلى سطح، فاستتر، ثم ظفروا به وبيده سيف مسلول، فقالوا: انزل، فامتنع فقالوا: نحن عبيدك، ثم فوق واحد إليه سهمًا وقال: انزل وإلا قتلتك،
(١) ترجمته في مروج الذهب للمسعودي "٢/ ٥١٣"، وتاريخ بغداد "١/ ٣٣٩"، والمنتظم لابن الجوزي "٦/ ٢٤١"، والعبر "٢/ ٢٥٠"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "٣/ ٣٠٣"، وشذرات الذهب لابن العماد "٢/ ٣٤٩".