فنزل، مسكوه في سادس جمادى الآخرة. وبايعوا الراضي بالله محمد بن المقتدر، ثم خلع وأكحل بمسمار لسوء سيرته وسفكه الدماء. وكانت خلافته سنة ونصفًا وأسبوعًا.
قال الصولي: كان أهوج، سفاكًا للدماء، كثير التلون، قبيح السيرة، مدمن الخمر، ولولا جودة حاجبه سلامة لأهلك الحرث والنسل. وكان قد صنع حربة يحملها فلا يطرحها حتى يقتل إنسانًا.
قال محمد بن علي: أحضرني القاهر يومًا وبيده حربة، فقلت: الأمان، قال: على الصدق، قلت: نعم. قال: أسألك عن خلفاء بني العباس؟ فذكرت له من أحوالهم، وهو يسأل عنهم واحدًا واحدًا فقال: قد سمعت قولك، وكأني مشاهد القوم، وقام وبيده الحربة، فاستسلمت للقتل، فعطف إلى دور الحرم.
قال المسعودي: أخذ من مؤنس وأصحابه أموالًا كثيرة. فلما خلع طولب بها، فأنكر، فعذب بأنواع العذاب، فما أقر بشيء، فأخذه الراضي بالله، فقربه وأدناه، وقال: ترى مطالبة الجند لنا، والذي عندك ليس بنافعك، فاعترف به، قال: أما إذ فعلت هذا، فالمال دفنته في البستان. وكان قد أنشأ بستانًا فيه أصناف الثمر، والقصر الذي زخرفه. فقال: وفي أي مكان هو؟ قال: أنا مكفوف ولا أهتدي إلى البقعة، فاحفر البستان تجده فحفروا البستان وأساس القصر، وقلعوا الشجر فلم يوجد شيء. فقال: وأين المال؟ قال: وهل عندي مال؟! إنما كان حسرتي في جلوسك في البستان وتنعمك ففجعتك به. فأبعده وحبسه، فأقام إلى سنة ثلاث وثلاثين، ثم أخرج إلى دار ابن طاهر، فكان تارة يحبس، وتارة يهمل. فوقف يومًا بالجامع بين الصفوف، وعليه جبة بيضاء وقال: تصدقوا علي، فأنا من قد عرفتم. وأراد أن يشنع على الخليفة المستكفي، فقام إليه ابن أبي موسى الهاشمي، فأعطاه ألف درهم، فمنعوه من الخروج.
ثم مات في سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة، وله ثلاث وخمسون سنة.
وله من الأولاد: عبد الصمد، وأبو القاسم، وأبو الفضل، وعبد العزيز.
ووزر له: أبو علي بن مقلة، ثم محمد بن القاسم، ثم الخصيبي.
ونفذ على إمرة مصر أحمد بن كيغلغ، إذ توفي أميرها تكين الخاصة.
وماتت سنة إحدى وعشرين شغب أم المقتدر.
وقتل الخادم مؤنس الملقب بالمظفر، وكان شهمًا مهيبًا شجاعًا داهية، عمر تسعين سنة، وقاد الجيوش ستين سنة.