السلطان الملك المعظم ابن العادل المذكور، هو شرف الدين عيسى بن محمد الحنفي، الفقيه، صاحب دمشق.
مولده بالقصر من القاهرة، في سنة ست وسبعين وخمس مائة.
ونشأ بدمشق، وحفظ القرآن، وبرع في المذهب، وعني "بالجامع الكبير"، وصنف له شرحًا كبيرًا بمعاونة غيره، ولازم التاج الكندي، وتردد إليه إلى درب العجم من القلعة، وتحت إبطه الكتاب، فأخذ عنه "كتاب سيبويه"، وكتاب "الحجة في القراءات"، و"الحماسة"، وحفظ عليه "الإيضاح"، وسمع "مسند الإمام أحمد بن حنبل"، وله "ديوان شعر" سمعه منه القوصي فيما زعم. وله مصنف في العروض، وكان ربما لا يقيم الوزن، وكان يتعصب لمذهبه، قد جعل لمن عرض المفصل، مائة دينار صورية ولمن عرض "الجامع الكبير" مائتي دينار.
وحج في سنة إحدى عشرة، وأنشأ البرك، وعمل بمعان دار مضيف وحمامًا. وكان يبحث ويناظر، وفيه دهاء وحزم، وكان يوصف بالشجاعة والكرم والتواضع؛ ساق مرة إلى الإسكندرية في ثمانية أيام على فرس واحد، واعد القصاد وأصحاب الأخبار، وكان على كتفه الفرنج، فكان يظلم، ويدير ضمان الخمر ليستخدم بذلك، وكان يركب وحده مرارًا ثم يلحقه مماليكه يتطاردون، وكان يصلي الجمعة في تربة عمه صلاح الدين، ثم يمشي منها يزور قبر أبيه.
قرأت بخط الضياء الحافظ: كان المعظم شجاعًا فقيهًا يشرب المسكر، وأسس ظلمًا كثيرًا، وخرب بيت المقدس.
وقال ابن الأثير: وكان عالمًا بعدة علوم، نفق سوق العلم في أيامه، وقصده الفقهاء، فأكرمهم، وأعطاهم، ولم يسمع منه كلمة نزقة، ويقول: اعتقادي في الأصول ما سطره الطحاوي، وأوصى أن لا يبنى على قبره، ولما مرض، قال: لي في قضية دمياط ما أرجو به الرحمة.
وقال ابن واصل: كان جنده ثلاثة آلاف فارس في نهاية التجمل، وكان يقاوم بهم إخوته، وكان الكامل يخافه، مع أنه كان يخطب للكامل في بلاده ويضرب السكة باسمه. وكان لا يركب في غالب أوقاته بالعصائب، ويلبس كلوتة صفراء بلا عمامة، وربما مشى بين العوام حتى كاد يضرب المثل بفعله، فمن فعل شيئًا بلا تكلف، قيل: هذا بالمعظمي. وتردد مدة في الفقه إلى الحصيري حتى تأهل للفتيا.
توفي في سلخ ذي القعدة، سنة أربع وعشرين وست مائة، وكان له دمشق والكرك وغير ذلك، وحلفوا بعده لابنه الناصر داود.
(١) ترجمته في وفيات الأعيان لابن خلكان "٣/ ترجمة ٥١٥"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "٦/ ٢٦٧، ٢٦٨"، وشذرات الذهب لابن العماد "٥/ ١١٥، ١١٦".