صاحب دمشق، الملك أبو منصور طغتكين الأتابك، من أمراء السلطان تتش بن ألب أرسلان السلجوقي، فزوجه بأم ولده دقاق، فقتل السلطان، وتملك بعده ابنه دقاق، وصار طغتكين مقدم عسكره، ثم تملك بعد دقاق. وكان شهمًا شجاعًا، مهيبًا مجاهدًا في الفرنج، مؤثرًا للعدل، يلقب ظهير الدين.
قال أبو يعلى بن القلانسي: مرض ونحل، ومات في صفر سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة، فأبكى العيون، وأنكأ القلوب، وفت في الأعضاد، وفتت الأكباد، وزاد في الأسف، -فرحمه الله، وبرد مضجعه- ثم ماتت زوجته الخاتون أم بوري بعده بأيام، فدفنت بقبتها خارج باب الفراديس.
قلت: لولا أن الله أقام طغتكين للإسلام بإزاء الفرنج، وإلا كانوا غلبوا على دمشق، فقد هزمهم غير مرة، وأنجده عسكر الموصل، مع مودود، ومع البرسقي، وسار إلى بغداد هو إلى خدمة السلطان محمد بن ملكشاه، فبالغ في احترامه وإجلاله.
قال ابن الأثير: تملك بعده ابنه الكبير تاج الملوك بوري بعهد منه.
وقال ابن الجوزي: كان طغتكين شهمًا عادلًا، حزن عليه أهل دمشق، فلم تبقى محلة ولا سوق إلَّا والمأتم قائمٌ فيه عليه لعدله، وحسن سيرته، حكم على الشام خمسًا وثلاثين سنة، وسار ابنه بسيرته مديدة، ثم تغير وظلم.
قلت: قد كان طغتكين سيفًا مسلولًا على الفرنج، ولكن له خرمة كان قد استفحل البلاء بداعي الإسماعيلية بهران بالشام، وكان يطوف المدائن والقلاع متخفيًا، ويغوي الأغتام
(١) ترجمته في العبر "٤/ ٥١"، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي "٥/ ٢٣٤"، وشذرات الذهب لابن العماد "٤/ ٦٥".