السلطان الكبير جلال الدولة أبو الفتح ملكشاه ابن السلطان ألب أرسلان محمد بن جغريبك السلجوقي، التركي.
تملك بعد أبيه، ودبر دولته النظام الوزير بوصيةٍ من ألب أرسلان إليه، في سنة خمسٍ وستين، فخرج عليه عمه ملك كرمان قاروت، فالتقوا بقرب همذان، فانكسر جمعه، وأتي بعمه أسيرًا، فوبخه، فقال: أمراؤك كاتبوني، وأحضر خريطةً فيها كتبهم، فناولها لنظام الملك ليقرأها، فرماها في منقل نارٍ، ففرح الأمراء، وبذلوا الطاعة، وخنق عمه، ثم تملك من المدائن ما لم يملكه سلطان، فمن ذلك مدائن ما وراء النهر، وبلاد الهياطلة، وباب الأبواب، وبلاد الروم، والجزيرة وكثيرٌ من الشام، فتملك من كاشغر إلى القدس طولًا، ومن أطراف قسطنطينية إلى بلاد الخزر، وبحر الهند عرضًا، وكان حسن السيرة، لهجًا بالصيد واللهو، مغرًى بالعمائر، وحفر الأنهار، وتشييد القناطر، والأسوار، وعمر ببغداد جامعًا كبيرًا، وأبطل المكوس والخفارات في جميع بلاده. هكذا نقل ابن خلكان.
قال: وصنع بطريق مكة مصانع، يقال: إنه ضبط ما اصطاده بيده، فبلغ عشرة آلاف وحشٍ، فتصدق بعشرة آلاف دينارًا، وقال: إني خائفٌ من إزهاق الأرواح لغير مأكلة.
شيع مرة ركب العراق إلى العذيب، فصاد شيئًا كثيرًا، فبنى هناك منارة القرون من حوافر الوحش وقرونها، ووقف يتأمل الحجاج، فرقّ ونزل وسجد، وعفر وجهه وبكى، وقال بالعجمية: بلغوا سلامي إلى رسول الله ﷺ، وقولوا: العبد العاصي الآبق أبو الفتح يخدم ويقول: يا نبي الله، لو كنت ممن يصلح لتلك الحضرة المقدسة، كنت في الصحبة، فضج الناس وبكوا، ودعوا له.
وأمنت الطرق في دولته، وانحلت الأسعار، وتزوج الخليفة المقتدي بابنته بسفارة شيخ الشافعية أبي إسحاق، وكان عرسها في سنة ثمانين، وعملت دعوة لجيش السلطان ما سمع بمثلها أبدًا، فمما دخل فيها أربعون ألف منًّا سكرًا، فولدت له جعفرًا.
وقدم ملكشاه بغداد مرتين، وقدم إلى حلب، ولم يكن للمقتدي معه غير الاسم، ثم قدمها ثالثًا عليلًا، وكان المقتدي قد فوض العهد إلى ابنه المستظهر، فألزمه ملكشاه بعزله، وأن